ذ . ادريس حيدر
يقينا أن الثورة التكنولوجية التي شهدها العالم في العقود الأخيرة و خاصة على مستوى وسائل التواصل الإجتماعي ، خلقت اوضاعا جديدة على مستويات عدة ( سسيولوجية، ثقافية …الخ ) ، انعكست على حياة البشر .
و أولى تلك التغييرات هي :
– التباعد .
– العزلة .
أجل لقد ابتعد البشر عن بعضه البعض و ذلك بسبب انغماسه كليا في تلك العوالم و انكبابه المذهل على جهاز هاتفه النقال ، مبحرا بين مواقعه : ” الفايسبوك ” ، ” أنستغرام ” ، ” الوات ساب ” …الخ.
و أصبح الكائن البشري يفضل العزلة و مصاحبة جهازه الصغير مستمتعا بسحره الأخاذ.
هذا السلوك اليومي و المستمر ، جعل منه أيضا إنسانا انعزاليا ، يرفض الاختلاط و المشاركة في المناقشات المجتمعية و في الندوات …الخ .
و تبعا لذلك تراجعت و بشكل ملحوظ جدا ، القراءة بأنواعها: الكتب ، الجرائد ، المجلات …الخ ، و عُوِّضَت بمتابعة الشخص لكتابات البعض من الذين نصبوا أنفسهم: روائيين ، شعراء ، مفكرين ، تشكيليين …الخ .
و هنا صدق المفكر الإيطالي البارز :” أمبرتو إيكو ” ، الذي صرح ذات مرة ، بأنه سيكتب في هذه المواقع : التافهون، البؤساء فكريا و الفقراء معرفيا.
و من مكر الصدف الغريبة أن هذا التباعد و هذه العزلة ، كُرِّسَتَا بفعل الجائحة الفتاكة ” كوفيد 19 ‘” أو ” كورونا ” كما هو متعارف عليها .
إن تقدم البشرية المهول في عالم التواصل ، بالرغم من مزاياه الكثيرة ، فهو يشكل خطرا على تنشئة الأطفال، و ينقلب استعماله المفرط إلى إدمان ، بل و يصبح مستعمله بشكل مبالغ فيه عبدا له و مسلوب الإرادة .
و هذه الوضعية الغير المرغوب فيها ، تفرز بالضرورة مواطنا سلبيا و حالما و منطويا و غير متفاعل مع حركات المجتمع.