راهنية طبق “البَيْصَارْ” لتحقيق الانتصار ورد الاعتبار.

16 يناير 2023

الدكتور محمد البدوي :
على هامش ندوة علمية بدار الثقافة الخمار الݣنوني في موضوع : ( التصوف في السياق الاجتماعي، مولاي علي بوغالب نموذجا) التقيت بالسيد رئيس المجلس البلدي عمي الحاج ، وكعادته إذ لا يفوت أي نشاط، وهذا أيضا يكتب له ، حضوره أصبح لازمة في كل الأنشطة الثقافية والفنية والدينية والإشعاعية والرياضية ، وحتى المناسبات العائلية التي يدعى إليها(زفاف، عقيقة،جنازة…).
وكم كنت أنتظر كلمته الحماسية التي عهدناها وبحماس منقطع النظير ( انتصار كبير حققه القصر الكبير، وبيبا حكيمي ، بيبا حكيمي ، وفويرا الخونة فويرا الخونة…..) ولست أدري من يقصد بالخونة ، هل يقصد السلطة الحاكمة في الشقيقة الجزائر ؟ أم يقصد كل من خالفه الرأي واختلف معه؟
وفي نفسي أرجو ألا يشملني لفظ الخونة. خرج السيد الرئيس وغادر القاعة بعدما جلس ما يزيد عن الساعة ربما ضاعت عليه الفرصة ليتحف الحضور بمداخلته المتميزة كما هي العادة. غادر القاعة وفي نفسه شيء من حتى ، نظرا لالتزاماته الكثيرة التي لا تنتهي ، ومواعيده التي تتناسل كما تتناسل أخبار الإشاعات في مدينة القصر الكبير.
غادر القاعة ، لكنه ظل قريبا من الباب حيث يلتقي به بعض الساكنة في قضاء بعض المآرب التي لا ترقى إلى المكتب والبروتوكول والمواعيد وهلم جرا.
هنا حيث التقى بنا ، ووقع بصره علينا، وكنا بصدد الذهاب لصلاة المغرب ثم العودة لإكمال مابقي من عمر هذه الندوة.
جاء إلينا ، وبعد التحية توجه إلي ولم يخطر ببالي أنه سيحاسبني على ما يشبه مقالا كنت نشرته ليلة الأربعاء عقب الزيارة التاريخية للاعب الدولي أشرف حكيمي، والذي خصصته على غير عادتي لعمي الحاج ، عنونته ” كنا في حاجة لرقصة البطريق حكيمي وليس لرقصة الحاج السيمو”.
قال لي معاتبا : ( أنا سخن علي الراس ففعلت ما فعلت وأنت سخان عليك الراس فكتبت عني)،أدركت حينها أنه غضب مني ، وبدأ يشرح لي الملابسات والحيثيات، والأسباب والدواعي، وبأسلوبه وطريقته الخاصة ، وختم تعليقه بجملة واحدة : ( المهم والأهم أن أشرف حكيمي جيبناه للقصر الكبير)، ولأني كنت في عجل ووقت صلاة المغرب قصير ، أنهينا الحوار بسرعة على مناشدة وطلب وجهته له باعتباره عمدة المدينة ،من جهة وباعتباره يستطيع تلبية هذا الطلب من جهة أخرى.
قلت له : سيدي الرئيس لا تضيقوا على الأنشطة الثقافية والعلمية والفنية في هذه المدينة ، افسحوا المجال للمخالفين أكثر مما تفسحوه للموافقين والموالين.
قلت في خيالي : ياليت عمي الحاج عمدة القصر الكبير ، وغيره من المسؤولين يدركوا أهمية الاختلاف، وأن في الاختلاف رحمة.
ويا ليته لم يضع الناس في سلة واحدة، وليَبْشِرْ أن الله منَّ عليه بمن يختلف عنه ويخالفه الرأي، ألا ليت السيد العمدة يدرك معنى قوله تعالى : “وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ” هود:118-119.
ورحم الله الإمام الشافعي: حيث قال: “ما ناظرت أحداً إلا قلت اللهم أجرِ الحق على قلبه ولسانه، فإن كان الحق معي اتبعني وإذا كان الحق معه اتبعته”، وكما قال: “ألا يستقيم أن نكون إخوانًا وإن لم نتفق في مسألة”؟.
وهذه بعض الأمثلة سيدي الرئيس، لما بويع أبو بكر بالخلافة بعد بيعة السقيفة تكلم أبو بكر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :”أما بعد أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني….”
ولم يقل لهم الصديق : كما قال فرعون “قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ” غافر (29).
ياليت السيد الرئيس ، يدرك أن الذين يختلفون عنه ولا يوافقونه ليسوا خونة ولا مرتزقة، هم فقط لهم وجهة نظر أخرى، قد يكونون على صواب تارة ومخطئون تارة أخرى.
وما يراه السيد الرئيس على جلال قدره عين المصلحة ، قد نراه مفسدة ، وليس عيبا أن نبين له شبهة المفسدة ، وقد نحذره من مغبة التمادي في ذلك ، لأن موقعه ليس كأيها الناس ، ولو كان غير ذلك لما سودنا صفحات التواصل الاجتماعي بالتوجيه والنصح وحتى الانتقاد .
والعيب كل العيب في بعض من أعضاء الحاشية المحيطة بالسيد الرئيس ، وهم يغضون الطرف عن زلاته في حضوره وبين يديه ، حتى إذا غابوا عنه كشفوا سريرته ولم يحفظوا وده ، قبحهم الله من مخلوقات تأكل مع الذئب وتبكي مع الغنم كما يقال.
أما نحن رحمنا الله ، ننصح بالأدب ونبين بالحجة والبرهان ، ما نعتقده ونؤمن به، عسى أن يصلح الله أمر هذه المدينة التي ننتمي إليها ونحبها ، ونرجو لها ولأهلها الخير والأمن والصلاح.
ألا فليعلم السيد الرئيس أن تقبل النصيحة فضيلة من شيم الأكابر.
فهذا الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: (رحم الله امرأً أهدى إلي عيوبي) وكان يسأل سلمان عن عيوبه، فلما قدم عليه قال: ما الذي بلغك عني مما تكرهه.
قال: أعفني يا أمير المؤمنين فألح عليه، فقال: بلغني أنك جمعت بين إدامين على مائدة وأن لك حلتين حلة بالنهار وحلة بالليل.
قال: وهل بلغك غير هذا؟ قال: لا، قال: أما هذان فقد كفيتهما.
وكان يسأل حذيفة ويقول له: أنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في معرفة المنافقين فهل ترى علي شيئا من آثار النفاق.
وليس هناك دنب أعظم من النفاق ، وقد ذكر سبحانه في محكم التنزيل: “إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا” سورة النساء145.
فلم يغضب منه الفاروق ، وإنما تودد لسلمان ليتكرم عليه ويجود ببيان عيوبه في طبق الأخوة المفعمة بالمحبة ” وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ”سورة الحجر 47.
سعادة الرئيس المحترم كلنا كنا نجمع على قيمة زيارة أشرف حكيمي لمدينتنا ، وكنا جميعا نرجو أن تكون لما بعدها ، أن تستفيد هذه المدينة من هذا الاستقبال الذي كنا نعلق عليه الآمال أن يكون تاريخيا في جغرافية مدينة اسمها القصر الكبير .
وكنت من الذين كتبوا لك رسالة نشرتها في صفحتي على الفايسبوك ونشرَتْها بعض المواقع والصفحات مشكورة مأجورة، قبل أقل من أسبوع ، أهنئك كما أهنئ نفسي وأهل القصر الكبير خاصة ، والمغاربة عامة بجدوى هذه الزيارة ، وقبل ذلك كتبت خمس مقالات طيلة مدة المونديال ، أنوه فيها بالمشاركة المتميزة والرائعة لمنتخبنا الوطني المغربي الذي صنع لنا الفرح والفرجة في مونديال قطر، وانتقل بنا من بؤس الواقع إلى جمال الأحلام .
كتبت عن مرحلة جديدة سنعيشها بعد المونديال ، سنبدأ باسم الله متوكلين على الله، ( بالنية والعزيمة والإرادة ورضا الوالدين ، والارتباط القوي بالوطن والتحلي بالقيم الجميلة….) لنبني مغرب المستقبل.
سيدي الرئيس كتبت عن أشرف حكيمي ، وفي نفسي أقول: ليته يوقع مشروعا باسمه نافعا لهذه المدينة، التي كغيرها من المدن تعيش البؤس ، وترزح في الفقر و الهشاشة .
كنت أرجو ولازلت أن يترك حكيمي بصمته في مدينة سكنتها أمه ، فيَحنوا عليها كما يَحِنُّ إلى أمه، كنت أرجو أن يكون لك تأثير في أمه وبأسلوبك وطريقتك الخاصة في التأثير حتى يكون الإبن أشرف طوع طلبات أمه، حتى يكون لها ولابنها ذكرا في الأولين والآخرين.
وكم كنت أرجو أن تستعين سيدي الرئيس ببعض الفقهاء الموالين لك والمحبين لأعطياتك المعنوية والمادية ، أن يقرأوا لك من الأدعية على طبق (البيصار ) ما يجعل لاعبنا المفضل حكيمي طوعا بين يديك يقول لك : (وخا).
ولست أدري هل كان الطبق العجيب الذي تحدث عنه اللاعب أشرف داري، وصنع به عزالدين أوناحي المعجزات؛ إلا طبقا من (البيصار) يعدها ويجتهد في طهيها اللاعب بدر بانون.
وبقي ذلك سرا لم يطلع عليه أحد حتى انبرى له عمي الحاج فكشف لنا عنه ، حيث كان مصرّاً على هذا الطبق العجيب ( كل البيصار آ أشرف).
ولست أدري هل سمحت السيدة المرافقة لحكيمي ومديرة أعماله أن يأكل من هذا الطبق أم لا؟
ولو كنت مكانه لما اقتربت منها ، كيف أقترب من البيصار ، وقد تركت خلف ظهري جديا أو خروفا حنيذا .
ولست أدري هل يبقى للبيصار من طعم في منافسات الشواء والكباب والبسطيلة ؟
لا قيمة لزلافة البيصار إلا تلك التي يهرع إليها أصحاب البُكُورْ وأصحاب الفجر من الحرفيين وغيرهم في زقاق المجزارين حيث قلب المدينة العتيقة ، الذين اختلط عليهم البرد بالجوع ، فيقبلون عليها بين يدي أن تتجدد الحيوية و يحصل لهم النشاط .
وكم كنت أرجوا أن تكافئ أولئك الذين حجوا معك عن بكرة أبيهم، – والذين تجاوز عددهم المائتين – وتتكرم عليهم بأطباق البيصار، ولست أدري هل امتناعهم عن تناولها كان هو السبب الرئيسي لما آلت إليه الأوضاع المزرية في الملعب ؟
ترى ماذا لو أوغلوا في أطباق البيصار وأخدوا بعدها قسطا ولو يسيرا من الراحة ؟ أليست الأمور ستكون على ما يرام ؟
ماذا أصابهم؟ يحبون البصطيلة ويحرصون على الشواء والكباب ويتركون “البيصار”
وهي التي صنعت الفرح والابتهاج والسرور لعمي الحاج، حيث بدأ بالرقص في وسط الملعب وقد بلغ منه النشاط مبلغه حتى رمى بطربوشه، ولولا هيبة العمودية والرآسة لرمى بجلبابه الوزانية الرفيعة، ولكنت أنا واحدا ممن يتقاتل على الظفر بهذه الجلباب ، ولرأيتني أجري مع الجمهور لأنال توقيع جلباب عمي الحاج ، وخاصة ان هذا الجلباب فيه رائحة مدينتي ومسقط رأسي وزان.
الناس يفرحون بقميص أشرف حكيمي ، وأنا أفرح بجلابة عمي الحاج.
وقد ظهر الفرح والسرور على اللاعب الدولي أشرف حكيمي ، وقد ألبسه عمي الحاج الجلباب ، وبالمفهوم الصوفي ألبسه الخرقة ، (وعطاه الخبزة).
وفي خيالي يا ليت هذا العمل يؤتي أكله ، ونسمع خبرا يرقى لتطلعات ساكنة مدينة القصر الكبير.

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading