د . عبد السلام دخان
من الصعب اليوم إنتاج فهم يتمثل الواقع والأنساق المرتبطة به بمعزل عن تأثير إمبراطورية الإعلام، و سطوة ذئاب ” وول ستريت”. ويؤشر كتاب إيمانويل كانط الموسوم ب” نقد العقل المحض” على أسئلة ثلاثة مركزية وهي: ماذا يمكنني أن أعرف؟ ماذا يجب عليّ أن أفعل؟ ماذا يحقّ لي أن آمل؟ (ينظر الفصل الثاني من الباب الثاني، من كتاب نقد العقل المحض لإيمانويل لكانط، ترجمة وتحقيق: موسى وهبة، منشورات مركز الإنماء القومي، الطبعة الأولى بيروت لبنان 1990). السؤال الكانطي الأخير يوضح أهمية الأمل كخاصية إنسانية لامثيل لها، وبعيدا عن الرؤية الفينومينولوجية لهذا المفهوم ومآلاته وفق مرجعيات العقل العملي، فإنه يشكل – في تقديري- مطلبا حيويا وانطلوجيا، ذلك ان الإنسان اليوم لايكافح من أجل لقمة العيش فقط، بل من أجل إنقاد الأمل. يتطلب الأمر إذن ميثاق شرف، و” أن نفتح عيون العقل” بتعبير سبينوزا، لإنقاذ الحياة من مظهرها المادي، ومن سأم التكرار، ذلك ان سطوة التفاهة لا تتمظهر في شكل أحادي فحسب، إنها تشكل اليوم إمبراطورية تمتد إلى جل الخطابات، و أشكال “الميديا”، والإنتاج السمعي البصري، وهي تسعى جاهدة إلى اغتيال اللوغوس، و القيم، والذوق الجمالي، والحق في الاختلاف والتسامح لصالح محاكاة جوفاء، واشكال هجينة تمجد الأشخاص بدل المشاريع التنويرية. الأمل هو الإغراء الأعظم بمنظور صاحب تحفة “زوربا اليوناني” نيكوس كازانتزاكيس، وهو ما يبرر أثر خطى الأسلاف، واجتهادات الأصلاء في مناحي العمل والتعبير الإنساني. الأمل شريك في الحياة، وربما كان صانعا لتفاصيلها وفرحها، فلا غرو أن نجد الفيلسوف الألماني ارنست بلوخ في كتابه “روح اليوتوبيا” يعد الأمل مكونا أساسيا للحياة، فالإنسان لا يمكنه أن يعيش بدون أمل، إذ ليس الإنسان- بتعبيره- ماهو كائن ولكن ما يجب أن يكون. وإذا كانت شجرة الحياة خضراء و النظرية رمادية بمنظور غوته، فإن الهدف يتجاوز فكرة الشجرة نحو استنساخ نماذج على شاكلتها، لكنها ليست من تربتها، ولا تحمل جيناتها او صفاتها” الأسطورية”، بيد ان إرادة المقاومة مند سبارتكيس وفرسان إسبارطا، والساموراي، والشرق، ومحاربي الصحراء، وحراس الثخوم، تجعل الأمل مطلبا حيويا يتجدد مع إشراقة كل صباح، و دوماََ البدايات هي الأجمل.