ذ . إدريس حيدر
ظل المعتقلون السياسيون ، يُنْقَلون في رحلات مكوكية من السجن إلى المحكمة .
وبعد استنطاقهم و الاستماع إليهم من طرف قاضي الجلسات ، أُعْطِيَت الكلمة إلى السيد وكيل الملك الذي عرض في مرافعته للأحداث الكاذبة المضمنة في محاضر الضابطة القضائية ، مٌفْضِياَ إلى القول :
” إن هؤلاء المعتقلين يهددون أمن البلاد ،و يتآمرون مع جهات خارجية من أجل تقويض الأمن العام و الطمأنينة التي تنعم بها البلاد و العباد ، و يختلقون الفوضى و الاضطراب ،في الوقت الذي تحتاج فيه البلاد إلى الوحدة و التآزر، خاصة و انها تتعرض لتهديدات خارجية ، ملتمسا من المحكمة الحكم على المعتقلين بعقوبات مشددة .
و بعدها عزف دفاعهم سمفونية رائعة ، متميزة ، متكاملة و قوية .
كان مكونا من أهم و ارفع المحامين بهذا الوطن و منهم النقباء و الأساتذة : عبد الرحمان بن عمرو، محمد بوزوبع ،خالد السفياني، الحميدي ،الحاتمي ،الروندة ،جواد العراقي ، عبد الرحيم الجامعي ، محمد القدوري…الخ.
كانت مرافعات الدفاع تضع الإطار الحقيقي لتلك المحاكمة و لأخريات مثلها ، ناعتين إياها بالسياسية بامتياز .
أثار المحامون في البداية : دفوعات شكلية متعلقة بمخالفة المحاضر لمقتضيات قانون المسطرة الجنائية و بالتالي على المحكمة القول و الحكم ببطلانها.
ثم خاضوا في مضمون القضية و خلفياتها و مراميها.
و كانت بعض مرافعاتهم تصلح لأن تُدَرَّسُ في معاهد التكوين للقضاة و المحامين ، و بالتالي كانت عبارة عن عروض فكرية ،قانونية ،تاريخية ،تحوي معلومات مُسْتَقَأة من مختلف المعارف ، بلغة عربية فصيحة و قوية.
و كان الدفاع ،هو الآخر و كأنه يدافع عن رفعة الوطن و عُلاَهُ من خلال المعتقلين السياسيين.
و كانت قاعة المحكمة ،تَعُجّ بممثلي التنظيمات السياسية اليسارية و الوطنية ، و كذا ممثلي بعض الإطارات السياسية و النقابية الاروبية و بالصحافة بمختلف انتماءاتها و جنسياتها.
و كان المحامون يهنؤون بعضهم البعض لتفوقهم في مرافعاتهم.
كنا نستمع لرفاقنا الذين سبقونا للمحاكمة بكثير من التركيز و الانتباه ، استعدادا لمحاكمتنا التي كانت لازالت تنتظرنا.
و كان كلما عاد المعتقلون للسجن ،إلا و تردد صدى أصواتهم و هي تتغنى بالفلاح و العامل و الأرض و الوطن و حتمية الانتصار ، و كان ذلك بعد قضائهم أياما كاملة صعبة ، في المحكمة و دهاليزها.