محمد التطواني المهجري
كان عبد الله يسكن في احدى الأحياء العتيقة بِدْيور سَنْييكْ بالقنيطرة ،معروف عند الساكنة بالأليث بحكم أنه كان أحد المقاومين ضد الاستعمار .
يقضي يومه يبيع الدِّفْلَى مُرّة المذاق ، دائما تراه يشتكي بألم في نواجذه اليسرى ، فيحتسي قطرات ماء الورد ، حسب اعتقاده أنه يحد من ألمه .
اتخذ من مرفأ شاطئ مهدية محل بيع دفلته
أحيانا يتعرض لمضايقات من مسؤولين في المخزن ، فيضطر العودة الى بيته مشياً لساعات على قدميه ، صحبة جَرْوٍ، أهملته كلبة ضالة ، لعله يدخل السرور على ابنه أحمد ، وهو في عامه السادس .
قبل وفاة والدته عائشة ، أوصت والده عبد الله خيرا بابنها ، مما دفع عبد الله يكتفي ببيع الدفلى قريب من سكناه .
لم يكن أحد من جيرانه يطلع على ما يفعله خُفية .
بعد نوم ابنه أحمد ، والكل نيام .
ذات يوم .. قبل صياح الفراريج ، تعكَّزَ على عكازه ، وتسلل الى سدة البيت بجوار المطبخ ، فتح قطعة إهابٍ وأخذ قطعاً من الجوارب والأقمشة التي يجمعها من حاويات القمامة ، ثم مضى كعادته يغلِق ثقبا تتسرب منها رائحة الصرف الصحي ، وما ترميه الكِرش من زِبْلٍ .
تدارك عبد الله ، على أن اختفاء الجوارب ، كلما عاد الى البيت من المضحكات .
قطّب وجهه وهو يقلب كفيه ، نادى على ابنه احمد ، انتصب أحمد واقفا بغتة ، وعلامة الإكتراب على وجه والده ، وتيقن أحمد من شدة الخوف ، أن هذه المرة لن يفلت من رعود .
أخبرني !! كيف طوعت لك نفسك ، ولم تبوح عن سبب إتلاف الجوارب ، أو كيف يتم سرقتها من ثقب بيتنا ؟
لم يجد أحمد ذريعة يتكل عليها ، تقدم خطوات منحني الظهريقفقف من برودة المكان وسُخونة والده .
لامس أصبع والده ، وحذلق في كلامه ، ليعتذر عن أفعاله بعد أن انزلقت عيناه لملامح أبيه قائلا :
تصدقت بها خُلسة الى مهووس بكرة القدم من حينا ، ليصنع لنا نحن أطفال الحي الهُمل ، كرة من الجوارب، لنلعب بها في هذا الزقاق المهجور ، وننسى فيه عمرنا .
رد عليه والده :الى هذا الحد ؟؟.
كيف وأطفال حينا أغلبيتهم من العُرج والعُمي والحُدْب ؟؟ .
فهم أحمد أن والده يتملغ معه.
فرد قائلا : العرج والعمي والحدب ، في مقدرتهم صنع ما صنعوه أسود الأطلس !!بالرغم عدم ملاعب تحضننا كأطفال منا الهمل ومنا اليتامى ومنا ما هو فقير تحت الصفر.
وكما تعودنا ، أغلب هواة كرة القدم والمارطون غالبيتهم ينحدرون من أسر هشة ومهمشة،
يكفي من رفسات وضربات الطبقات الاستقراطية على حساب الفقراء ، التي تستغل مساحات أراضينا لتشييد ملاعب الكلف ، وكرة المضرب التي لا تقدر الاسر الميسورة اللجوء اليها لغلاء سعر عضويتها .
يكفينا نحن الفقراء نلعب بجواربنا بين الأدغال وزِقانِ حينا ، لأن أحذيتنا من ( نوع مارْكاَ ) اسمها( بعد عسر يسر .)
القاص