يوميات معتقل سابق (4) في الزنازن.

2 ديسمبر 2022

ذ . إدريس حيدر

أُدْخِلْنَا إلى زنازن كبيرة ، و بمجرد أن عَلِم معتقلون سياسيون آخرون ، كانوا يقبعون في السجن قبلنا ،بحلولنا بالسجن ،التحقوا بنا .
كان اللقاء حارا ،أخويا و عاطفيا ،حيث بكى البعض متأثرا باللحظة و بلقاء رفاق تجمعهم بهم وشائج المحبة و الإيمان بالقيم المشتركة .
رُفِعت شعارات ،تردد صداها في كل أركان و زوايا السجن ، حيث ارعبت الإدارة و الحراس ، و كذا معتقلي الحق العام الذين لم يألفوا مثل تلك الظواهر.
بالفعل ،كانت لحظة مؤثرة اقشعرت لها الأبدان .
كنت منهمكا كغيري من المعتقلين السياسيين في تلك اللحظة الفريدة ، و في نفس الآن أتأمل في أولئك الرجال الذين كانوا امامي و هم من طينة خاصة و من عيار استثنائي ،شامخين كالصخر دفاعا عن الوطن و أبنائه، مقدمين التضحيات الكبيرة من دمهم و عرقهم كاعتقالهم و طردهم من العمل و هو مصدر قوتهم و قوت عيالهم ،و تعريض أسرهم بذلك للضياع ، و خضوهم لحصص من التعذيب القاسي ،الذي ترك لدى البعض وشما في الذاكرة و الوجدان .
و بالمناسبة فأغلبهم ،ابتلوا بعد الإفراج عنهم بأمراض فتاكة أخذتهم إلى القبور ،و بقي آخرون يقضون ما فضل لهم من الحياة و هم معاقون، معطوبون و مرضى يشتكون من أمراض قاتلة .
بعد قضائهم لحظات مؤثرة معنا ،انصرف المعتقلون الذين كانوا قد سبقونا إلى السجن ، إلى زنازنهم.
و ظللنا نحن المعتقلين الذين أُحيلوا على السجن حديثا ،نتبادل أطراف الحديث ،لأنه و أثناء الاعتقال التعسفي لم نتعرف على بعضنا البعض.
و هكذا حكى كل واحد عن الطريقة التي تم اعتقاله بها ،و كيف عُذِّب و نوع الأسئلة التي كانت تُطْرَحُ عليه .
و بين الفينة و الأخرى كان يؤكد أحدهم بأنه سُئِلَ عن شخص بعينه و نوع العلاقة التي تربطه به …الخ.
استمر الحديث طويلا و كان متشعبا و كأن المعتقلين كانوا في حاجة إلى الكلام ،بعد تلك المدة الغير القصيرة التي قضوها في المحبس صامتين ، و أحدث كلامهم و نقاشهم بعض الضجيج نظرا لعددهم الكبير .
و كان تلك الأحاديث تقطع من حين لآخر بشعارات أو اغاني ملتزمة يرددها الجميع ترفع في الغالب منسوب الثقة في ذواتهم و اختياراتهم الفكرية و السياسية .
و غالبا ما كانت الاغاني التي يتم ترديدها ل” ناس الغيوان ” او ” الشيخ إمام ” أو ” مارسيل خليفة ” أو ” أحمد قعبور ” .
فيما الشعارات كانت تتضمن : الافتخار بالانتماء للوطن و الاصطفاف بجانب الفقراء ، و الإعلان عن مقاومة الظلم و الاستبداد والحيف و الجور إلى آخر رمق.
انتهت تلك الأمسية في ساعة متأخرة من الليل و في ظلمة حالكة ، لأن إدارة السجن كانت تطفئ أنوار الزنازن في ساعات مبكرة .
كان المعتقلون السياسيون سعداء بلقاء بعضهم البعض و فرحين بيوم النصر القريب ، مرددين أغنية ” الشيخ إمام” :
” شيد قصور عل المزارع
من كدنا و عرق جبينا ”
نام الجميع كالأطفال نوما عميقا مطمئنين لاختياراتهم ،لوحدتهم و التي ستكون وسيلتهم الناجعة لتحقيق مبتغاهم و أهدافهم.

يتبع…

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading