سمية نخشى
يؤسفني و يحز في قلبي ان اضطر لاستعارة هذه العبارة من الشاعر العراقي المرحوم أحمد النعيمي لأعبر بها عن استيائي من المعاملة التي لقيتها انا و أسرتي من الطبيب المداوم في مصلحة المستعجلات مساء الجمعة 14 من الشهر الجاري. و ذلك حين اضطررنا لولوج مستشفى القرب بمدينتنا ، و الذي سبق لي أن أقسمت أن لا تطأه قدمي و لو خسرت حياتي ، و تلك حكاية أخرى، لكن هذه المرة لم يكن لدي خيار ، فالأمر يتعلق بوالدتي التي ألمت بها وعكة صحية حادة ، ترددنا في البداية بين المستشفى و بين الهلال الاحمر ، فرجحت كفة الأول بسبب الحملة الإعلانية السابقة التي بشرت بمستواه اللائق.لكن الأمر سيان من حيث ضعف التجهيزات، سوء المعاملة و الغياب المطلق للنظافة.
كان المكان فارغا ،لا يوجد به مرضى و مع ذلك انتظرنا قرابة نصف ساعة قبل أن تهل علينا الممرضة ، التي ربما بمشقة ايقظوها من نوم هانىء أو احتمال انها استدعيت للتو من منزلها، فظننتني حينها في مصلحة المستبطئات و ليس المستعجلات، هي من تولت ، مشكورة ، القيام بالإجراءات الأولى: قياس ضغط الدم ، سرعة نبضات القلب و نسبة التنفس.
بعدها ذهب اخي لمكتب الطبيب المداوم الذي كتب له الوصفة دون أن يفحص المريضة أو يرى وجهها. لحقت به استشيره في الأدوية التي أخذت و لأخبره بالأمراض المزمنة التي تعاني منها و التي لم يسأل عنها . كان ينظر الي شزرا، و لا يجيبني، و في الاخير و بصعوبة بالغة أفرجت شفتاه المتيبستان، و الممتعضتان عن عبارة يتيمة ” سيري للفارماسيا، يشرحواليك “.
خرجنا صامتين و لم ننبس ببنت شفة ، فقد سبق واوصينا بعض بالصبر و الجلد، لنتجه صوب مدينة اخرى ،لكن كل جوارحي كانت تلقائيا تردد ” نحن شعب لا يستحي ” . و ” نستاهلو تعاود لينا ترابي “، كلنا ظالم و كلنا متجبر….و تكاد تصدق معنا مقولة السوفسطائي “غلوكون” :” العادل هو العاجز عن ارتكاب الظلم ” فلا أحد عادل بطبيعته ، مستدلا باسطورة ” خاتم جيجيس” و هو خاتم يجعل صاحبه يختفي حين يلبسه ، فلا أحد يراه ، ليتساءل : لو وقع هذا الخاتم بيد انسان عادل ، هل سيبقى عادلا ، أم سيسعى لتحقيق رغباته و منافعه، فيجيب بالنفي ، لان العدل هو نزوع مكبوح و ملجم للظلم.
الطبيب ، شاب في مقتبل العمر ، لكنه عديم الإحساس بالواجب، غير مخلص لقسم ابوقراط، لا يستحق المكان الذي يوجد به، و لا يشرف مهنة الطب.
هو نموذج سيء ، للاسف، لمجموعة ، من الشباب العاملين في القطاعات العمومية ، مردوديتهم ضعيفة و رغبتهم جامحة في تسلق السلم الإجتماعي على رقاب المواطنين ، مبررهم الوحيد هو :” نخدمو على قد فلوسهم،” و الضحية هو المواطن الذي بدوره يجور على من استطاع إليه سبيلا، ( مع استثناء الشرفاء طبعا ) و هكذا دواليك ، فتتفشى ثقافة الظلم و الاسترزاق المشروع و غير المشروع …..
وكأننا جميعنا اعجبنا بعجز البيت الشعري الخالد لزهير بن أبي سلمى ” و من لا يظلم الناس يظلم.” فمجدنا الظلم.
للمرة المليون اردد: لك الله يا وطني، لا شعب و لا مسؤولين….
ولا حول و لا قوة الا بالله العلي العظيم.
سمية نخشى في 18\10\2022