يوميات محام (9)

8 نوفمبر 2025


ـ بقلم ذ : ادريس حيدر

قال ذات يوم ملك فرنسا :” لويس الرابع عشر ” :

” لو لم أكن ملكا لفرنسا ، لوددتُ أن أكون محاميا “.

البدايات الأولى :

التحقت أول يوم بالمحكمة الابتدائية بالقصر الكبير ، كنتُ قلقا و متوجسا ، لإقدامي على حرم قصر العدالة كمحام هذه المرة ، و ليس كمعتقل سياسي .
كان علي أولا أن أقدم نفسي و أتعرف على قيدومي هذه المهنة ، ثم أقوم بجولة في مرافق المحكمة و أزور السادة : رئيس المحكمة و وكيل الملك بها و السادة القضاة و الموظفين .
و أثار انتباهي منذ البدء ، أن هذه المهنة ذات تقاليد و أعراف عريقة ، تجعل منها مهنة سامقة و نبيلة و شامخة ، بفضل رجالاتها الذين كانوا يكرسون في معاملاتهم فيما بينهم و مع الأغيار ، تلك القيم المثلى المضمنة في قانون مهنتهم .
أُعْجِبْتُ ببعض زملائي القدامى بسبب حضورهم الوازن و تعاملهم معي بأخلاق عالية ، كما كانوا يتميزون بأناقتهم الفكرية و المظهرية .
كذلك استمتعتُ ببعض المرافعات لبعض المحامين الذين أتيحت لي الفرصة للاستماع إليهم في محاكم متفرقة من البلاد .
و استنتجت باكرا ، أن مهنة المحاماة ليست وسيلة للكسب فقط ، لكنها فريدة و لا تشبه أية مهنة أخرى ، و أن المنتسب لها يمكن أن يكبر بكبر حجمها ، إن كان صادقا و مؤمنا بدوره في تحقيق العدالة في المجتمع .
كانت مجمل القضايا التي تشهدها أو تجري أمام المحاكم هي زبدة النزاعات حول المصالح و تضاربها التي تقع بين أفراد الأسرة الواحدة أو بين الأغيار في المجتمع .
و أن العدل هو الضامن الأساسي للاستتباب الأمن و تحقيق السلم و الرفاه داخل المجتمع فضلا عن ذلك تشجع المستثمرين من أجل إقامة مشاريعهم التي تساعد البلاد على النماء و التطور و الرقي و الرخاء .
كما أنني أدركتُ و منذ اللحظات الأولى ، أن هناك صنفان من القضاة ، فمنهم العدل و المستقيم و النزيه ، الذي يعمل بضمير مهني عال و يروم تحقيق العدل ، و آخرون مرتشون و منعدمو الضمير ، همهم الوحيد جمع الأموال لإقامة مشاريع استثمارية مربحة لهم و لأفراد أسرهم .
و هو نفس الأمر بالنسبة لبعض المحامين ضعاف النفوس و الذين كانوا يمارسون السمسرة و النصب على المواطنين .
و غالبا ما كنتُ و لا أزال أستاء من هذه الممارسات المقيتة و الفظة، نظرا لقناعاتي التي هي عبارة عن قيم فضلى كنت و لا أزال أومن بها ، و أندد بهذه المسلكيات المنحطة .
و في إحدى الأيام و أنا أتعرض في إحدى مداخلاتي لهذه الممارسات الانحرافية ، تناول الكلمة أحد القيدومين و بهدوء و ثبات قال :
” يقول الله تعالى في محكمًً كتابه الكريم :
و أما الزبد فيذهب جفاء ، و أما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض .”صدق الله العظيم .
كان تعليقه كافيا و شافيا و بليغا .

يتبع …

اترك رد

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading