
– ذ . ادريس حيدر
و أنا أتابع فعاليات المؤتمر 12 ، لحزب ” الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية” ، الذي انعقد أيام :17، 18و 19 أكتوبر 2025 في مركب بوزنيقة الدولي .
و توهمت و كأن مناديا ينادي :
” أيها الناس :
صلاة الجنازة ، جنازة حزب ”
أجل كان المؤتمر و كأن 1700 من الأشخاص الذين حضروه شيعوا حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إلى مثواه الأخير ، و ذلك بدفنه بعد موته .
حزب الاتحاد الاشتراكي :
الاتحاد الاشتراكي ، حزب وُلِدَ من رحم الحركة الوطنية و جيش التحرير و نقابيو الاتحاد المغربي للشغل باعتبارها كانت النقابة الوحيدة في المغرب و الطلبة والعمال.
و إذن كان تجمعا للقوى الحية في البلاد
و كان قد حدد هويته الاشتراكية كما اختار النضال الديمقراطي ، و كان ذلك بمناسبة انعقاد مؤتمره الاستثنائي في : 1975.
هذا الحزب كان قد اجتاح الإطارات السياسية ، النقابية ، الاجتماعية و الثقافية من خلال أطره : فلاسفة ، أساتذة جامعيون ، محامون ، مهندسون ، أطباء و مستخدمون و طلبة و فلاحون .
كان الحزب حاملا لحلم الفقراء و المستضعفين والطبقة العاملة ، من أجل مجتمع حر و ديمقراطي ، و لقد أدى مناضلوه ضرائب رهيبة و قاسية ، حيث استشهد عدد غير يسير منهم و على رأسهم الشهيد : ” المهدي بنبركة ” و شهداء من المغرب العميق في الجبال و الأوهاد ، و قد أكدت جلسات الاستماع ذلك من خلال هيئة الإنصاف و المصالحة .
كما أن قياداته و أطره قدموا تنظيرات فكرية و مفاهمية جد مهمة ، أثرت الحقل الفكري في المغرب و العالم العربي : ” محمد عابد الجابري ، محمد جسوس و آخرون .
و نظرا لأهمية حزب الاتحاد الاشتراكي باعتباره حاملا لآمال و مطامح الشعب المغربي. كانت مواقفه السياسية و مؤتمراته تحظى بمتابعة صحافية كبيرة في المغرب و العالم .
بل كانت عقارب الزمن السياسي المغربي متجهة دائما نحو الحزب و لقد حاولت المخابرات المغربية اختراقه و خلق فتنة و انقسام بداخله ، غير أنه و بالرغم من ذلك ظل بوصلة الزمن المغربي و الحياة السياسية في البلاد ، لذلك ووجه بعنف و استبداد شديدين .
و قد كانت للحزب الجرأة السياسية في رفع شعار الملكية البرلمانية في وقت مبكر .
كما أن المحاكمات السياسية الكبرى ،في هذه البلاد كان المتابعون فيها و المدانون هم مناضليها
و كان كلما انعقد أحد مؤتمراته تقوم الدنيا و لا تقعد .فضلا عن ذلك و بموازاة مع الإعداد لها ، كانت الساحة السياسية الاتحادية و المغربية. تشهد نقاشات قوية و مفيدة ، كما كان التدافع و الاختلاف كان قويا حول مفاهيم نظرية و سياسية .
بل لا زلتُ أتذكر أننا كمؤتمرين لم نكن ننام ، لكي لا تمرر مفاهيم و توصيات في اللجان للمصادقة عليها في غيبتنا أو سهونا …الخ . .
حكومة التناوب
اختير حزب ” الاتحاد الاشتراكي ” من أجل قيادة الحكومة ، و سميت بحكومة التناوب التوافقي ذلك أن الحزب رفع شعار : إنقاذ الوطن و لو أدى إلى تراجع الحزب .
و كان تحمله للمسؤولية الحكومية ، وَبَالاً عليه ، حيث تراجعت شعبيته ، و بدأ العد العكسي بالنسبة له.
و قد كانت التجربة فاشلة ، و هذا ما أكده الأستاذ : ” عبد الرحمان اليوسفي”، في محاضرته في برًوكسيل” .
غير أنه يمكن الجزم أن هذا الرجل كان آخر الكبار .
” ذ. إدريس لشكر” كاتبا أول للحزب
في أتًو ن هذه الأحداث التي تسارعت ، تبوء السيد :” إدريس لشكر” منصب الكاتب الأول للحزب ، و كان ذلك إيذانا بنهاية هذه المنظومة السياسية الهائلة ، بل لو رجع الكبار إلى قيد الحياة : المهدي بنبركة أو عبد الرحمان اليوسفي ، محمد عابد الجابري و محمد جسوس …الخ لما صدقوا ما حصل .
و إذن ماذا قدم هذا الأخير لهذه الحركة السياسية الخالدة ؟
إن الرجل محدود معرفيا و سياسيا ، و تربى في حضن الحلقات و المؤامرات التي دمرت الحزب ، بل و أحيانا كان يقوم بدور مؤذي في حق المناضلين ، و عندما كان الحزب يَعُجُ بالأطر و الكفاءات ، لم يكن إلا حارسا بسيطا .
كما أنه أفرغ الحزب من مناضليه المخلصين ، و حاد و انحرف عن تراث الحزب و أرجعه بتكليف من دوائر القرار ، دكانا صغيرا ، يرغب و يطمح إلى أن يشارك في الحكومات المتعاقبة
ثم إنه كًوفئ من طر ف المخزن و ذلك بإهدائه قطع أرضية في مواقع ذات مميزات كثيرة ، فضلا عن ذلك المبالغ المالية التي أخذها و التي كشف عنها المجلس الأعلى للحسابات .
و إضافة إلى ذلك كرس أساليب غير مقبولة و بعيدة عن الديمقراطية و العقلانية داخل الحزب ، و ذلك بتنصيب أبنائه في أعلى سلمه ، أحدهما برلماني و الأخرى مسؤولة في لجنة العلاقات الخارجية للحزب .
و الآن يكرس الأبدية في منصبه ككاتب أول و يتم تمكينه من أن يستمر قائداً للحزب للمرة الرابعة ، و على قول إخواننا الجزائريين ب” العهدة الرابعة”.، و كأن الحزب عميق
إن أسلوب إديس لشكر في إدارته ، هو عرقلة الديمقراطية الداخلية ، و تكريس العلاقة الزبونية و إفراغه من المناضلين الشرفاء و وأد الفكر و المعرفة داخله و معارضته التداول حول القيادة و وقوفه معارضا لكل تقارب مع مكونات اليسار .
و هكذا انزلق و أصبح تابعا لحزب أغلبي ، كان و إلى عهد قريب يُنْعَتُ بالحزب الإداري .
لقد أُصِبْتُ بتقزز كبير و أنا أشاهد :” إدريس الرابع” و هو يرسم بأصبعيه شارة النصر .
النصر على ماذا ، يا ترى ؟ .
المؤتمر :
يعتبر شعار المؤتمر ردة سياسية و فكرية ، فمن : ” الحقيقة أولا !”إلى :” ” مغرب صاعد اقتصاديا…اجتماعياً… مؤسساسيا “.
إنه شعار ركيك ، يفتقد إلى العمق ، و بعيد عن انتظارات الشعب المغربي و طموحات شباب هذا الوطن الذي يشكل في أغلبه جيل “زد”.
و قد ترددت شعارات خالدة للحزب ، و من المعلوم أنها كانت تُرْفَعُ في سياقات الصراع مع السلطة حول خيارات سياسية ، و كذا رفعا لمنسوب الثقة و النضال لدى المناضلين ، غير أن إعادة ترديدها في هذا المؤتمر ، كان خارج السياق، و كأنها ترانيم على حقة هامدة ، و بالتالي بدت بئيسة و مُنَفِّرة ، و محاولة يائسة لبيع ثرات الحزب و إشراقاته في سوق النخاسة .
و من المعلوم أن البيان الذي يصدر في نهاية كل المًؤتمرات ، يكون جردا لمخرجاته ، و يحمل. رسائل سياسية لمن يهمه الأمر .
و كانت فيما مضى تخضع جملة واحدة منه لمناقشات قوية و أحيانا عنيفة ، تحمل تفسيرات و تأويلات لمكونات الحزب الممثلة في المؤمر .
و يعتبر مُعَبرا عن رأي الحزب في القضايا الكبرى و خارطة طريقه .
و قد تأملت البيان العام الصادر عنه ، فتبين لي أنه بيان ضعيف لا يحمل مواقف قوية تهم الوطن و هموم المواطنين .
إن مؤتمر 12 للاتحاد الاشتراكي كان عبارة عن تجمع لبشر ، جاء ليعلن البيعة
ل” إدريس الرابع ” و يشهد على موت و انقراض هذا الحزب العظيم بل و دفنه إلى الأبد .
ملحوظة :
مع تقديري و احترامي لثلة من المناضلين الشرفاء الذين لازالوا يمارسون نشاطهم داخل هذا الحزب / الجثة .