
– بقلم الأستاذة : فاطمة بلعربي.
في المغرب، ليست الخيل مجرد حيوان أصيل يُزيّن السهول والجبال، بل هي ظلّ التاريخ ورفيقة الفارس في الحرب والسلم، ومرآة لروح الجماعة وأصالتها. منذ القدم، ارتبطت صورة الفارس بجواده، فكانا معا رمزا للشجاعة والكرم والأنفة، حتى غدت الخيل عنوانا للعزة المغربية.
ومن هذا العشق العميق للخيل وُلدت التبوريدة، ذلك الفن الفرجوي الشعبي الذي يحول ساحات “المحرك” إلى مسرح للفروسية. يصطف الفرسان في صف مستقيم، قلوبهم متحدة كما خطاهم، ينطلقون بخيولهم في اندفاعة جماعية صاخبة، ثم تتعانق أصوات المكاحل في طلقة واحدة كأنها نبض الأرض وصرخة الفخر.
لكن التبوريدة لا تكتمل إلا بصوت العيوط، تلك الأهازيج الشعبية
التي ترافق العرض، فتمنحه الروح والدفء… العيوط ليست غناء عابرا، بل صدى القبيلةالذي ينقل حكايات البطولة، ويشعل الحماس في القلوب… وهكذا يصبح المشهد لوحة متكاملة: فرسان وخيول، بارود يدوّي، وعيوط تُردّدها الحناجر، في تلاحم يجعل التبوريدة أكثر من مجرد فن، بل طقسا حيا للهوية المغربية.
اليوم، وقد صارت التبوريدة تراثا لاماديا معترفا به من قبل اليونسكو، تظلّ تلك اللحظات التي تمتزج فيها العيوط مع صليل المكاحل دليلا على أن المغرب يعرف كيف يحفظ ذاكرته، وكيف يحوّل تاريخه إلى عرض نابض بالحياة.
إن الخيل في المغرب قصيدة عتيقة، والتبوريدة بيتها الأجمل، حيث يلتقي جمال الفرس بروح الفارس، ويُضفي صوت العيوط على البارود معنى أعمق من الفرجة: إنه إعلان متجدد عن الإنتماء والهوية