الطفلة التي كنتها ” سلسلة رمضانية” تعدها الإعلامية أمينة بنونة .
ترصد السلسلة من خلال ضيوفها – كتابا وكاتبات أدباء وفاعلين في الحقل الثقافي – تجارب خاصة بمرحلة الطفولة والتي عادة ما تشكل بوادر توجهاتنا ومساراتنا المستقبلية
**************
طفولتي ليست كباقي الطفولات _إن صح اللفظ_ ،أجل بكل صدق وأمانة ،
كافحت يوم مولدي الذي صادف الأربعاء ، لهذا أحب هذا اليوم كثيرا رغم أن هناك من يتشاءم منه، ولكنه يوم مولدي يا هذا يجب أن تفرح وتمرح به.
دائما كنت مصرة على الكفاح غريبة هذه الحياة، كأنه مقدر لك منذ تهاليل الولادة كيف ستكون عليه ملامح شخصيتك؟؟!!، و شكل مسار حياتك!!!.ولكن يجب أن تتعلم أن لا تستسلم ،فالحياة لم تخلق للمتهاونين.
يوم مولدي، الكل كان مستنفرا ،بدا كيوم هارب من إحدى المعارك الطاحنة. كنت الوحيدة التي ولدت بمدينة بلقصيري ، لهذا أعتبر نفسي استثنائية، فلتة من التاريخ لا تتكرر ، حذار !!!! لا تظن أني نرجسية ولكنها الحقيقة المتجسدة في آراء كل العائلة والأصدقاء .
فكل إخوتي ازدادوا بالقصر الكبير ،
لهذا أعتبر نفسي استثنائية؛ إضافة لأهم شيء كنت* دلوعة* أبي رحمه الله. لا أحد يستطيع أن يتخطى الحدود معه. صارم جدا كان نظامه عسكري ، منضبط في كل شيء ، بالرغم من أنه كان أستاذا لمادة اللغة العربية و إماما وفقيها في علوم الدين ، هو الذي سماني منى دون إخوتي، التي تكلفت بتسميتهم جدتي الزهرة الشريف الطريبق رحمها الله.
طفولتي كانت بين جدران بيت بطراز أوروبي بساحة خلفية بها دجاج ، بط ،أرانب، وقط لهذا السبب أمتلك الآن ستة قطط بالبيت من منكم يريد واحد، ولكن للأسف لا يمكنني أن أربي الدجاج لا أمتلك مساحة خضراء لهم .
كنت ألعب بين السنابل وأرى واد سبو في كل حالته عند هدوئه وفي غضبه، وفي عمقه و خيرات سمكه المشكل من أصناف عدة ، عندما كان أخي يصطاد النون ، بسذاجتي الصغيرة كنت أظنه أفعى، كم كنت أكرهها صدقا لأنها كانت متواجدة بكثرة تقززني رغم جمال جلدها ولكن فحيحها يدوي .
طفولتي كانت بين الربيع والزهور والسنابل الذهبية صيفا .
لنحط رحالنا بالقصر الكبير نهائيا . ويبدأ مشوار دراستي به منذ السنه الأولى بابتدائية مدرسة التوحيد لأكون صداقات مازلت متواجدة لحد الآن صفاء الروح والبراءة التي كنا نتمتع بها مازلت بين طيات الذاكرة .
أكيد الذاكرة تختزل أحيانا وتتحايل على النسيان أحيانا كثيرة .!!!! حتى أصدق القول كانوا هناك تلاميذ يتنمرون علي لأن شعري كان كثيف جدا وطويلا ولكي تتغلب أمي عليه كانت تقوم بترتيبه وجمعه بما يسمى_ القطاب_، حتى يظل منظما, لأنه ضعف حجمي, لهذا كان هناك بعض التلاميذ من يستمعون بالضحك علي، هم لا يعرفون لو تبعثر شعري سأبدو كاللبوءة وحينها سألتهمهم لأن ملامحي تتغير و أصبح مستعدة للإنقضاض … أيام الصبا لا تعوض فعلا مرت الأعوام بسرعة بحلوها بمرها, بكل ضغوط الامتحانات, المنافسة على المراتب الأولى، إرضاء المعلمين, الذين كانوا فعلا تقوم لهم الدنيا وتقعد، كما قال شاعرنا الكبير أحمد شوقي:
قم للمعلم وفيه التبجيلا** كاد المعلم أن يكون رسولا .
في إحدى الأيام التقيت بصديقة كانت معي منذ صف الابتدائي، قالت لي منى كنت تدرسين جيدا ومن الأوائل ما الذي تشتغلينه الآن ؟؟!!!.
فعلا ماذا أشتغل الآن؟؟؟!! لا شيء وكل شيء كنت دائما أرفض الامتثال للأوامر، خالف تعرف أحب التميز ,حتى الصمت يعتبر كذلك، أنا أملك نفسي وأثق بقدراتي على الابتكار .
في عالم طغت عليه المصالح والمادة فماذا تنتظر من الناس؟؟؟ الصدق عشناه في الطفولة وأيام زمان حينما كانت الصداقة صداقة خالية من أي شائبة و مصلحة مستتثرة أو مضمرة.
عش بعنفوان وآمن بقدراتك ولا تترك أي أحد يحبطك ، النفوس تغيرت من يضحك معك يطعنك وهكذا دواليك ، ندور في فلك الأنا الطاغية المدمرة لقيم الجمال والإخاء.
أقول في إحدى نصوصي :
غريب أمرك يا امرأة
كيف تحول عنفوانك لعالم استفهام
كيف أذعنت للزمان
هبي حان وقت الرحيل عن غياهيب أمل لا يعود
علمتني الحياة، أن لا أستسلم ولا أحد يمكنه مساعدتك، إن لم تكن أنت المساند الرسمي لنفسك , فكم تتفاجأ في الصعاب حين تظهر جوانب خفية حتى عنك ، كن قويا دائما وأبدا مع احترام مشاعر الآخرين، لا التجريح والتنمر ولا للتبخيس فهما كان مركزك وصفتك كن متواضعا فمن تواضع رفعه الله قدره أكثر .
أطلت عليكم أعرف، ولكنني استمتعت معكم بالغوص في تلابيب طفولتي النائمة، في سبات عميق منذ سنين عجاف ،ولكن في زاوية ما ، مازلت أمتلك ملامح تلك الطفلة الشقية التي ترعرعت بضفاف خضراء لنهر سبو ،وأنتم تعرفون عندما يحل الشتاء العاصف و النوى، ينقلب ويصير متمردا يدمر كل يابس وأخضر، فحذار !!!.