حميد الجوهري :
(شكرا لك ابن عمي العزيز نجيب محبوب Najib Mahboub )
و ا أبتاه..!
أي فخر الذي هز مشاعري اليوم، و جعلني أسمو بروحي إلى مدارج الغيب، أحدث والدي بالخبر الذي سمعته عنه، أعانقه بكل ما أوتيته من معاني البهجة و السرور..، تخيلت ضحكاته و قفشاته و هو يحدثنا عن “السبانيول”، الذين كانوا يحتلون هذه البلدة، غير آمنين إلا في قلاعهم و مستوطناتهم، و كيف أرغموه على التجنيد و ترك البلاد إلى مدريد، حيث كان الجوهرة السوداء بنمبراك يمجد بالكرة مغرب الأبطال، حدثني عن مراهنات جماهير الأتلتيك على أهداف بنمبارك، و كيف كان يهتز الملعب كلما داعب الجوهرة السوداء الكرة برجليه الساحرتين..!
كانت أيام جوع و شقاء، و هم الفئة التي تقدمت ركب بناء إسبانيا الخارجة للتو من حرب أهلية طويلة..، فكان أن اتفق مع فرقة من عسكر المغاربة، على سرقة الحليب من إحدى الضيعات القريبة، كلما غفل الحراس عن تتبع حركتهم ، انكشف أمر السرقة، و كاد الحادث أن يودي بحياته حينما شعر بحركته أحد الحراس و أطلق النار عليه، لولا ستر الله و حفظه..؛
لما حكى لي هذا الحديث، خلته ملخصا لفيلم سينما، و استكثرت عليه هذه الشجاعة، بما علمناه معشر “المتعلمين” من سطوة الإسبان و قوتهم في العهد الاستعماري، لولا البرهان الذي كنت أراه في الحي و في غيره من الأمكنة التي صاحبت فيها أبي، فقد كان يقام له و يقعد في أي موضع من مواضع التدافع، أقصد التدافع من أجل الخير..، رحمه الله، لا أحصي له مواضع الخير التي كان فيها سببا.
و الخبر الذي سمعته اليوم، كان من عمي حفظه الله، في معرض الحديث عن المقاومة و جيش التحرير، يقول:
نجى أبي من الإعدام عندما عاد إلى المغرب قبل الاستقلال، حينما اتهم بتحويل أسلحة إلى مقاومين، و لم ينج إلا بدعم أحد الضباط الإسبان كان صديقا له، خبأه أو أمره بالاختباء حتى هدأت الأمور، في وقت كانت الإعدامات و المحاكمات عشوائية، و كثرت فيه الوشايات..
رحم الله أبي، لم يسع لينال مرتبة مقاوم في السجلات الرسمية، كما فعل كثير من أمثاله، و انشغل بشرف الجيش، ذهب في بعثات الأمم المتحدة، هناك في أدغال إفريقية، و في تلك قصة أخرى سأحكيها، و ليس من غاية، إلا تدوين تاريخ بطلي و قدوتي و مفخرتي، في صفحتي هذه، لا أرجو من أحد شيء ، أكثر من أن يترحم معي على أبي و سائر شرفاء هذا الوطن.
رحم الله أبي و كل شرفاء الوطن