الجغيم : رحلة الحالمون

15 أغسطس 2023

محمد أكرم الغرباوي

مقام البوح 14
موسم الهجرة إلى الحلم كان على مدار السنة ، لايهدأ الحالم البسيط عن النبش في كل الطرق الموصلة إلى الضفات الأخرى بحثا عن مخرج و منفذ لإنقاذ نفسه و عائلته …
صيف المدينة حار جدا ، هروب الأطفال إلى بعض نافورات المدينة ( السويقة ، المرس ، الرياض ، …) خلال فترة إستراحة مراقبيها أو بنافورة ضريح مولاي علي بوغالب و سقاية بباب العار بمدخله . بينما المغامرون يجرون الخطى إلى ضفة واد للوكوس . كان طريق الوصول إلى الواد عبر طريق الرباط أو إختصارا عبر مزارع وغرسات طرقها ضيقة و ملتوية . كانت مغرية للعودة منها بدل الذهاب حيت تمتد الأيادي لأشجار البرتقال و الشفرجل و بعض الفواكه . لا يوقفنا عنا إلا العسس أو نباح الكلاب .
الواد ساحر صيفا ، على طول مداراته الوارفة تسمع أصوات بعض العائلات بالجنانات ( جمع جنان ) ، وروائح أطباف الطجين . و عشاق صيد سمك البوري بالشبكة او الصنارة او المصيدة الفرخ .
وبعيدا هناك على متسع منخفض يستقر مقام الباحثين عن خلاص وهروب للضفات الأخرى المشتهاة . كانوا يحرصون على إتخاذ أمكنة مخصصة لهم بعناية . أرض طينية تبلل و تدك بالأرجل . ترسم فوقها خطوط وعلامات ، أحيانا يستعان بأعواد على الأطراف لتحديد الجوانب . كان يمنع المرور فوقها بل بمحاذاتها فقط . هي بقعة مقدسة لهم أكثر منها طاولة أرضية للعب . يتحدثون عنها بفخر كبير ” هنا لعب البطل العالمي … هنا سقط و كسرت يد أو رجل …. هنا سال دم …. هنا تألق … من هنا انطلق …. ” هنا مقام ( الجغايمية ) ( شباب إختاروا وعشقوا بحب و أمل رياضة الجمباز و ألعاب السيرك و البهلوان . ” الجغيم” ملجأ للهجرة بعيدا عن الحريك . في الغالب كانوا أبناء البسطاء مع إستثناء معروف . كانوا حوالي 12 في كل أرضية لعب . كنا نراقب سحر رشاقتهم و فنية حركاتهم ، كانوا يخضعون لقوانين المدرب بإحترام و إمتثال كبيرين . بعد الركض و التسخينات الجسدية الأولية . تفرق الأدوار وكأنه تدريب عسكري . ثم تبدأ حركات الطيران المثيرة و الدوران المتكرر على الأيادي و الأرجل و المدرب يصرخ بتحفيز و حماسة (خشفاون . تيكنا . الروندة . الرديف ..) أسماء لم نكن نعلم معناها لكنها تقابل حركات و إنطلاقات …
هكذا كانت دروس تعلم رياضة الحياة و الشجاعة . درس يحتاج للكثير من الأمل . كان أغلب رواده حالمون لايهابون شيء سوى ألم الحال .


كانوا يجتمعون بمعلميهم و يتواصلون مع أصدقاءهم خارج الوطن الذين يأتون محملين بالأماني لرفاقهم وإخوانهم في تراب وماء الجغيم ( طين الحياة) . إلى أن نسمع رحليهم خارج الوطن للعمل بملاهي السيرك في ألمانيا و إنجلترا و سويسرا و أمريكا …
من أرضية صغيرة بمدينة عشق أهلها الصعب و الألم شأنهم شأن الأماجد . ليعلون القصر الكبير في كل أرضيات العالم . كذلك كانت كبريات محطات ألعاب السيرك بأمريكا تنادي اللاعب و البطل العالمي طارق البوري و البطل الأمين ليمتعا الجمهور . و كذلك البطل عبد الصمد بانجلترا و بألمانيا رضوان بريان و غيرهم بايطاليا وفرنسا .. . تعددت أسماء الأبطال و رفعوا علم الوطن الواحد .
كان طول وادي اللوكوس و محطاته ( البويلا . دار الطلياني . البنايتيين …) كما هي أحياء المدينة بسيدي الكامل و المطيمر و الكوادرة وغيرها تعج بأسماء الأبطال
طابلات الجغيم الطينية العصامية بوادي اللوكوس كانت لاتهدأ من أصوات منطلقها النهر. و منتهاها الحلم وراء البحر .
محمد أكرم الغرباوي
كاتب و مخرج مسرحي

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading