اتذكر في مطلع التسعينيات وبالضبط في مدينة القصر الكبير ترشح للانتخابات الشاعر والاديب المغربي الكبير محمد الخمار الكنوني.. وعلى عكس توقعات الحالمين والمؤمنين بالثقافة والمثقف مني شاعرنا الكبير والذي يعد احد رموز الثقافة المعاصرة بالمغرب.. مني بخسارة الانتخابات امام شخص لا اعرف حتى اسمه او من يكون.. وقد كان علي ان اكتفي بهذه الحكاية لاختزل موقع الثقافة في الاستحقاقات.. لكن الامر مثير للقلق ان يستمر اقصاء الثقافة واستئصالها من برامج السياسة بهذا الشكل..
لم يسبق لي ان سمعت بمرشح خرج على الناخبين ببرنامج او خطة او حتى وعد يخص الثقافة بمعنييها العالم او الشعبي.. ربما كان السياسيون محقين فما الذي تنفع فيه الثقافة حتى يجعلها المرشحون قبل القفة ورخصة اضافة الطابق الثالث وبطاقة الراميد..
وحده اليسار اليتيم والذي على ما اذكر في فترة ما حاول ان ينبه العباد الى الثقافة لكنه سرعان ما كل ومل.. وحين التفت الى القفة وما جاورها وجد الركب قد فاته وصار بالملعب مرشحون محترفون في الانتخابات..
لقد تم نفي الثقافة من التفكير السياسي بالمغرب ليس فقط بسبب رضوخ السياسي لمنطق الخبز بكل انتهازيته.. بل ايضا بسبب هذا العجب العجاب الذي صار يعيشه “المشهد الثقافي” من استسهال وتطاول وغباء وجهل.. وما تعرفه مؤسسات الثقافة والفن في بلادنا من فوضى مضحكة مبكية..
كيف نتوقع ان يكون للثقافة موقع في الانتخابات المقبلة وعدد لا يستهان به من برلمانيينا لا يعرفون فك الخط بينما يبرعون في فك اكبر الصفقات.. كيف يمكن ان يراهن على الثقافة مرشحون يغيرون احزابهم بافكارها وايديولوجياتها مثلما يغيرون قنوات التلفزيون..
خلال مرحلة سابقة ناقشت نخبة من المغاربة مفهوم المثقف العضوي باعتباره طليعة مفترضة للتغيير.. لكن هذا النقاش بقي حبيس الحلقيات والندوات والمجلات المتخصصة المحكمة.. دون ان يجد صداه في الشارع..
وفي وقت صارت فيه الثقافة على المستوى الكوني مدخلا للربح ومجالا للاستثمار.. لازال المرشح المغربي يستبعدها من اجندته.. ان كانت لديه اجندة..
وانني اتساءل كيف يستطيع السياسي ان يعبر امام كل هذا التنوع والثراء والجمال وكل التراث القابع في الازقة والدروب والقصور والذي يفيض به المغرب.. ولا تلمع في راسه فكرة.. مجرد فكرة قد تجعله مرشحا متميزا واستثنائيا.. وان كان يطلب الشهرة فلا افضل من الشذوذ عن القاعدة.. سيتحدث الجميع عن المرشح الذي وضع في برنامجه الانتخابي اقامة وحدات انتاج ثقافي اوسياحي في المواقع الاثرية لدائرته الانتخابية.. او احياء مسرح قديم او اقامة مهرجان سنوي يقوم على الخصوصية..
لست على الاطلاق متفائلا بمستقبل للثقافة ما بعد الانتخابات المقبلة.. على الاقل لم نشهد مرشحا او حزبا تفاعل بشكل ملحوظ وجدي مع المجال المهم الذي افسحه تقرير لجنة النموذج التنموي للثقافة وكيف جعلها مدخلا حقيقيا للتنمية وحلا للكثير من المعضلات.. وانتصارا للعديد من الطاقات والموارد التي لم تجد بعد مكانا في خيال السياسيين..