إشراقات ثقافية (3)

25 مارس 2023

إشراقات ثقافية
من تقديم أمينة بنونة
صراع المرأة والرجل في القصص الشعبي
د. مصطفى يعلى

ولعل الحكاية المرحة، هي أكثر أنواع القصص الشعبي شيطنة للمرأة، ربما لكونها أوسع فضاء لعرض مواقف انتقام المرأة من الرجل رمزيا، مع العلم أن المرأة الشعبية كانت

ماهرة في حكي الحكايات، ومن هنا لا يغرب عنا كونها صانعة لمتون قصصية شعبية خاصة بها. إذ تهيمن على نصوصها سخرية المرأة من الرجل والنصب عليه والنيل منه، في مواقف متشفية لا تخلو من نقد اجتماعي لاذع، حيث يتم ((التركيز على تقديم شرائح من النساء يتصفن عموما بممارسة متمردة على الثوابت وفرض الندية على الرجل وإن على المستوى الفردي، وبصورة لاأخلاقية وفق منظور ثقافة المجتمع المتداولة فيه تلك الحكاية. فرغم موقع المرأة الاجتماعي الملحق بالرجل، تتجرأ على الوقوف في هذا النوع السردي الشعبي وجها لوجه أمام الرجل؛ تجابهه وتعانده وتخدعه وتكيد له وتمكر به وتحتال عليه وتعتدي عليه وعلى حقوقه، من منطلق أناني متعمد غالبا)).(6)
ومن هنا صحت ملاحظة د. فاطمة المرنيسي بصدد الشأن النسائي، حين أكدت أن ((رفض النساء لسيطرة الرجال موجود فعلا في ثقافتنا التقليدية))(7). لاسيما وأن تحدي المرأة في بعض الحكايات، قد يصل تطرفه إلى حد اقتراف جريمة الخيانة الزوجية، لاعتبارات مؤسساتية حساسة، تتصدرها مؤسسة الزواج، باعتبارها بؤرة رمزية لرسوخ المجتمع الذكوري وإعادة إنتاجه، الذي دأب على معاملة المرأة معاملة ترويضية اجتماعية وقانونية مجحفة، حذرا من فلتانها من القفص الذي رسم الرجل صورته بدقة قاسية. لذلك نرى كثيرا من نصوص الحكاية المرحة، تتخذ من الوسط الأسري فضاء لها، ومن الزوجات وربات البيوت بطلات رئيسية لها.
وأكيد أن الدارس للحكاية الشعبية المرحة، سيلاحظ في كثير من نصوصها، أن طبيعة العلائق الرابطة بين الرجال وزوجاتهم، تتسم بغياب أي ألفة عواطفية أو تواشج إنساني إيجابي، أو حتى استلطاف زوجي روتيني بينهما. لهذا كان هاجس المرأة في هذا النوع القصصي من المتخيل الشعبي، هو الإساءة البالغة للرجل، وكأنما هو تنفيس عنها مما تعانيه من واقع اجتماعي ظالم لها. في حين لا يتأخر الرجل عن أن يبادلها نفس النفور مللا ومقتا، وقد يسعى إلى التخلص منها بطريقة أو أخرى.
وعلى هذا فإن الحكاية المرحة، تشكل في معظمها صورة بشعة للمرأة، متماهية مع الشر المدان، وتعتبر نشازا عن تقاليد المجتمع وقيمه النبيلة وفضائله المثلى، ملؤها المكر الدنيء والسلوك المعوج والخيانة الزوجية وباقي القيم المنحطة. وربما كان هذا هو السبب في كون الرجل في الحكاية المرحة، كثيرا ما يكون هو المستهدف بتلك السلوكات، بوصفه ممثلا للمجتمع القمعي، ومنتجا لثوابته الراسخة، حتى ولو كان هذا الرجل زوجا كادحا مغلوبا على أمره هو الآخر. مما يحدث في المتلقي تأثيرا سلبيا، ويؤلبه ضد المرأة إذا ما مالت إلى تشكيل خطر على الوضع القائم بتقاليده وأعرافه ومعاييره، ويشركه في الاستنكار والسخط عليها، محرضا إياه على درء خطر سلوكاتها المنحرفة على المجتمع التقليدي، وتهديدها لاستمرارية هويته المألوفة، وخدج وجدانه الرجولي، بحجة المحافظة على أصالته وشخصيته العريقة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
6) د. مصطفى يعلى: نحو تأصيل الدراسة الأدبية الشعبية بالمغرب، منشورات اتحاد كتاب المغرب، بدعم من المجلس الوطني لحقوق الإنسان، مطبعة البيضاوي، الرباط، 2012، ص. 65.
7) كيد النسا.. كيد الرجال؟، ص. 3.
يتبع

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading