ذ . عبد المالك العسري :
ادعوكم لمتابعة هذه السلسلة ،نص أدبي “للدكتور عثمان المنصوري “والدخول إلى أغواره وكشف معاني الجمال وموضع الإبداع فيه ، قصة ننشرها عبر حلقات
“البيتو ”
الحلقة 1
ملاحظة: كل تشابه بين شخصيات هذه القصة وأحداثها مع شخصيات وأحداث واقعية هو تشابه مقصود.
تعود أحداث هذه القصة إلى منتصف سبعينيات القرن الماضي. في الفترة التي كنت فيها أستاذا للاجتماعيات بمدينة العرائش. كنت قد التحقت بالمدينة للعمل في إحدى ثانوياتها المشهورة، مع مجموعة من الشباب المتحمسين، المشبعين بالحماس والحيوية، والذين تمكنوا من خلق دينامية كبيرة بالمدينة، بواسطة مجموعة من الأنشطة المختلفة. أذكر منها إنشاء نادي السينما، ونادي الشطرنج، والعمل النقابي، وتنظيم الرحلات، والمحاضرات والمقابلات الرياضية وغيرها.
كانت العرائش بالنسبة لنا آنذاك، مدينة تحتفظ بالعديد من الأسرار والخصوصيات، التي لا يعرفها إلا أهل المدينة أو غيرهم ممن اقاموا بها مدة كافية للاندماج مع مجتمعها الصغير المحافظ. ومن هذه الخصوصيات التي تشترك فيها مع معظم مدن الشمال، لعبة شعبية تستأثر بوقت واهتمام الساكنة، يطلق عليها اسم “البارتشي”.
كنت أمر كل يوم – في إطار الجولة اليومية التي يسميها العرائشيون “الباسيو”، على مقهى معروف بأنه مقهى البارتشي بامتياز، وحين نمر بجواره تتناهى إلى أسماعنا أصوات صادرة عن معظم الطاولات، مع صيحات بين الفينة والأخرى يطلقها أحد اللاعبين تعبيرا عن فرحته بحركة من حركات هذه اللعبة. وللجواب عن تساؤلاتي عن هذه اللعبة، قرر أحد أصدقائي العرائشيين أن يصطحبني إلى هذا المقهى، فدلفنا إليه، وعثرنا بصعوبة على طاولة فارغة، وطلبنا مشروباتنا من النادل، الذي أحضر لنا بدون أن نطب منه رقعة مربعة، بإطار ومغطاة بالزجاج، ومعها لوازم اللعب. وهكذا شرع صاحبي في تعريفي بقواعد اللعبة قبل أن نبدأ اللعب. كانت اللعبة تبدو في ظاهرها سهلة، واكتفى صاحبي بالاختيار الأسهل وهو أن يلعب كل واحد منا بأربعة أقراص. كانت الرقعة مقسمة إلى أربعة اقسام، يبدأ كل منها بنقطة انطلاق تختلف في لونها عن الألوان الأخرى، وهي اللون الأخضر والأصفر والأحمر والأزرق. ولدى كل واحد أربعة أقراص صغيرة مثل أزرار القميص، يسمون الواحد منها ب”الفيتشة”. ويبدأ اللاعب لعبه من الدار بقرص، ولا يحرك باقي الأقراص إلا بعد حصوله على رقم 5 بواسطة النرد الذي يسمونه “الدادوصة”. والمطلوب من كل لاعب أن يحرك أقراصه الأربعة على التوالي في مدار على طول الرقعة يشبه المضمار الذي تتسابق فيه الخيول، إلا أن طريقه ليست سالكة، فهو معرض في الطريق لخطر العودة إلى نقطة البداية حين يلتقطه أحد أقراص الخصم في طريقه. ولحماية نفسه من هذا الخطر عليه أن يضع أقراصه في مواضع آمنة معلومة، أو يضع بجانبه قرصا آخر من اقراصه ويشكل سدا يحمي القرصين ويمنع الخصم من المرور، وهو ما يسمى “الباريرا”. والفائز هو من يستطيع أن يوصل كل أقراصه قبل الآخر إلى آخر خانة، في هذا المسار الطويل. ومن حسنات هذه اللعبة أنها تلعب بلاعبين وثلاثة وأربعة، ويمكن أن ينقسم اللاعبون الأربعة إلى فريقين متحالفين، التوضيح لأنه ضروري لمن لا يعرف اللعبة جيدا، وأيضا لمن سيتابع قراءة هذه القصة. وهناك تفاصيل أخرى عن قوانين هذه اللعبة، ليس هنا مجال التوسع فيها. وأكتفي بهذا كما يمكن للاعبين أن يلعبا بثمانية أقراص، وهذا حال اللاعبين المتمرسين.
( يتبع )