سمية نخشى
نخب الوطن سقتنا كتيبة أسود الأطلس كأس الحلم، كأسا سحرية حملت لنا معها الفرجة ، المتعة و الفرح ، أسكرتنا، جعلتنا ننتشي بالحاضر ، نتعالى على الواقع و رحلت بنا بعيدا حيث الأفق رحبا ، السماء صافية ،انقشعت غيومها، انبلج فجرها و انجلى شفقها.
مع كأس الحلم تماهت الألوان و اختزلت في الأحمر و الأخضر حين رفرف العلم المغربي ، فانهارت حدود الزمان و المكان لتتوحد الأمة العربية بالشعوب الإفريقية مساندة ، مشجعة ، يعلو صوتها بنفس الشعارات التي رددنا ، محملة بالكثير من الإصرار و التحدي : سير…سير….سير….
مع كأس الحلم ، ذابت اللغات في بعضها حين تحدث اسودنا بلغات العالم و هم يختزنون لغتهم الأم سواءا بالدارجة المغربية ” ففحرونا ” أو باللهجة الأمازيغية، و باللكنة التي تستهويني مقبلين غير مدبرين ” اللي يجي بسم الله ”
مع كأس الحلم نثرنا هنا و هناك ملامح ثقافتنا ، صور اواصرنا الأسرية و ثوابتنا الدينية.
مع كأس الحلم ارتفع سقف أحلامنا عاليا ، فتطلعنا بثقة لكأس المونديال، رأيناه قريبا و كدنا نلمسه بأيادينا ، بعد أن صنعت الكتيبة ملحمة مغربية ، هي هذه المرة من إنجاز أبناء الشعب الذين فرقتهم في الأرض صروف الحياة ، و تفرقت بهم السبل ليلم شملهم نداء الواجب و حب الوطن .
تعلقت أنظارنا بكرة معبأة هي الأخرى بأحلامنا ، تدحرجت بين أرجلهم تارة و فوق رؤوسهم تارة أخرى ، فلم تخذلنا مساعيهم مدججين بالإرادة و الصبر و الروح القتالية.
” درنا النية ،” فحلت البركة و اهدونا الفوز تلو الفوز ، فتوحدت مشاعرنا حولهم و تربعوا عرش وجدان الأمة لنذكر الإسبان بمعركة أنوال ، و لننكأ جراح البرتغال و نحيي حسرتهم على مصير الدون سيباستيان في معركة القصر الكبير.
سجدوا فشكرنا، غنوا فطربنا، رقصوا فتمايلنا، ثم جعلنا كأس الحلم نهذي ، مصدقين و غير مصدقين ، متسائلين عن كنه هوية انبعثت من مرقدها مدوية ” تا شكون حنا ؟ ” ، و عن مصدر طاقة جعلت الحلم واقعا ، و أثبتت أن المستحيل ليس مغربيا ، لتتحقق شبه معجزة ، لا أعرف هل أيقظتنا ام دفعت بنا لسبات عميق . إن كانت يقظة ، فعساها يقظة وعي جماعي، ضمير جمعي و روح لا تخبو جذوة شعلتها المتطلعة للمجد و للسعي نحو العلا.
يتهيأ لي أن السبيل لكأس المونديال هو الكأس التي تسقي الشعوب ، فعسى أن تكون كأسنا كأس ترياق يا وطني، كأس الأمل في التغيير و الإصلاح و البناء ، كأسا لا تشبه تلك التي قدمها محمد الماغوط في مسرحيته الساخرة ” كأسك يا وطن ” التي تجرعها المواطن السوري البسيط ( الذي جسد دوره الفنان دريد لحام ) فانتهى به الأمر لبيع أبنائه و هم أحلامه خوفا عليهم من الحاجة و الفقر و الضياع في وطن لا يحمي أبناءه و لا يسقيهم كأس الأمان و الأحلام.
سمية نخشى في 27\12\2022