شيء من الهلوسة ” كأس الحلم “

28 ديسمبر 2022

سمية نخشى

نخب الوطن سقتنا كتيبة أسود الأطلس كأس الحلم، كأسا سحرية حملت لنا معها الفرجة ، المتعة و الفرح ، أسكرتنا، جعلتنا ننتشي بالحاضر ، نتعالى على الواقع و رحلت بنا بعيدا حيث الأفق رحبا ، السماء صافية ،انقشعت غيومها، انبلج فجرها و انجلى شفقها.
مع كأس الحلم تماهت الألوان و اختزلت في الأحمر و الأخضر حين رفرف العلم المغربي ، فانهارت حدود الزمان و المكان لتتوحد الأمة العربية بالشعوب الإفريقية مساندة ، مشجعة ، يعلو صوتها بنفس الشعارات التي رددنا ، محملة بالكثير من الإصرار و التحدي : سير…سير….سير….
مع كأس الحلم ، ذابت اللغات في بعضها حين تحدث اسودنا بلغات العالم و هم يختزنون لغتهم الأم سواءا بالدارجة المغربية ” ففحرونا ” أو باللهجة الأمازيغية، و باللكنة التي تستهويني مقبلين غير مدبرين ” اللي يجي بسم الله ”
مع كأس الحلم نثرنا هنا و هناك ملامح ثقافتنا ، صور اواصرنا الأسرية و ثوابتنا الدينية.
مع كأس الحلم ارتفع سقف أحلامنا عاليا ، فتطلعنا بثقة لكأس المونديال، رأيناه قريبا و كدنا نلمسه بأيادينا ، بعد أن صنعت الكتيبة ملحمة مغربية ، هي هذه المرة من إنجاز أبناء الشعب الذين فرقتهم في الأرض صروف الحياة ، و تفرقت بهم السبل ليلم شملهم نداء الواجب و حب الوطن .
تعلقت أنظارنا بكرة معبأة هي الأخرى بأحلامنا ، تدحرجت بين أرجلهم تارة و فوق رؤوسهم تارة أخرى ، فلم تخذلنا مساعيهم مدججين بالإرادة و الصبر و الروح القتالية.
” درنا النية ،” فحلت البركة و اهدونا الفوز تلو الفوز ، فتوحدت مشاعرنا حولهم و تربعوا عرش وجدان الأمة لنذكر الإسبان بمعركة أنوال ، و لننكأ جراح البرتغال و نحيي حسرتهم على مصير الدون سيباستيان في معركة القصر الكبير.
سجدوا فشكرنا، غنوا فطربنا، رقصوا فتمايلنا، ثم جعلنا كأس الحلم نهذي ، مصدقين و غير مصدقين ، متسائلين عن كنه هوية انبعثت من مرقدها مدوية ” تا شكون حنا ؟ ” ، و عن مصدر طاقة جعلت الحلم واقعا ، و أثبتت أن المستحيل ليس مغربيا ، لتتحقق شبه معجزة ، لا أعرف هل أيقظتنا ام دفعت بنا لسبات عميق . إن كانت يقظة ، فعساها يقظة وعي جماعي، ضمير جمعي و روح لا تخبو جذوة شعلتها المتطلعة للمجد و للسعي نحو العلا.
يتهيأ لي أن السبيل لكأس المونديال هو الكأس التي تسقي الشعوب ، فعسى أن تكون كأسنا كأس ترياق يا وطني، كأس الأمل في التغيير و الإصلاح و البناء ، كأسا لا تشبه تلك التي قدمها محمد الماغوط في مسرحيته الساخرة ” كأسك يا وطن ” التي تجرعها المواطن السوري البسيط ( الذي جسد دوره الفنان دريد لحام ) فانتهى به الأمر لبيع أبنائه و هم أحلامه خوفا عليهم من الحاجة و الفقر و الضياع في وطن لا يحمي أبناءه و لا يسقيهم كأس الأمان و الأحلام.

سمية نخشى في 27\12\2022

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading