
– أمينة بنونة
احتضن فضاء الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير بالقصر الكبير يوم 20 نونبر 2025 ندوة فكرية بعنوان “استقلال المغرب: من التحرير إلى البناء”، وذلك تخليداً للذكرى السبعين لعيد الاستقلال المجيد، وبشراكة مع فعاليات المجتمع المدني.
وقد عرفت الندوة حضوراً متنوعاً ضمّ مقاومين، باحثين، فاعلين جمعويين، أساتذة ومهتمين بالشأن الثقافي، في أجواء طبعتها استعادة الذاكرة وترسيخ قيم الوطنية.
أطر اللقاء الدكتور محمد الصمدي، القيم على فضاء الذاكرة التاريخية بالقصر الكبير، حيث أكد في كلمته الافتتاحية على أهمية استحضار مسار الكفاح الوطني الذي وحّد الشعب والعرش في مواجهة الاستعمار، وعلى ضرورة ربط محطة الاستقلال بمرحلة بناء الدولة المغربية الحديثة.
قدّمت الأستاذة أمل الطريبق، الشاعرة والناشطة الجمعوية، مداخلة حول دور المرأة المغربية في تحقيق الاستقلال وترسيخ المجتمع الجديد، معتبرة أن حضورها لم يكن ثانوياً، بل محورياً في مختلف محطات التاريخ الوطني.
وأبرزت مشاركتها في المقاومة السرية، نقل الرسائل، إخفاء المقاومين، والتعبئة الشعبية خلال مرحلة نفي محمد الخامس.
وبعد الاستقلال، واصلت المرأة دورها من خلال ولوج التعليم، الصحة، والعمل المدني، قبل أن يتعزز حضورها في العهد الجديد بإصلاحات مؤسساتية كـمدونة الأسرة وتوسيع مشاركتها السياسية.
أما الأستاذ محمد البوخاري، أستاذ مادة الاجتماعيات، فقد تطرق إلى المرحلة التاريخية للتحرير، مؤكداً أن مقاومة المغاربة للاستعمار انطلقت منذ 1912 عبر المقاومة المسلحة في الريف والأطلس والجنوب، ثم عبر العمل الوطني المنظم الذي تُوّج بوثيقة المطالب الإصلاحية سنة 1934 ووثيقة الاستقلال سنة 1944.
وأضاف أن نفي الملك محمد الخامس سنة 1953 شكّل نقطة تحوّل أعادت توحيد الشعب حول الشرعية، لينتهي مسار الكفاح بعودة الملك من المنفى سنة 1955 وبدء تأسيس الدولة الحديثة.
وتناول الإعلامي والفاعل الجمعوي حسن الحلو دور الإعلام في تعزيز الوعي الوطني، مبرزاً أن وسائل الإعلام التقليدية والرقمية أصبحت رافعة أساسية لـتوثيق الذاكرة التاريخية وتقديم نماذج مقاومية للأجيال الجديدة.
وأشار إلى المبادرات الأرشيفية والبرامج الإذاعية والمحتويات الرقمية التي تُعيد سرد لحظات النضال وتُحافظ على الصور والوثائق المرتبطة بفترة الاستعمار والتحرير.
من جهتها، ركزت الأستاذة فاطمة بلعربي، ناشطة تربوية وجمعوية، على أهمية التعلم مدى الحياة في ترسيخ قيم المواطنة وربط الأجيال بتاريخ بلادها، مؤكدة أن الاستقلال ليس مجرد حدث سياسي، بل مرجعية لبناء الدولة وتعزيز الهوية الوطنية.
وأوضحت أن التعلم المستمر اليوم يعلّم المواطن قراءة التاريخ بوعي نقدي وفهم كيفية تحقق السيادة وكيف بُنيت مؤسسات الدولة، مما يجعل الاستقلال مشروعاً تربوياً طويل المدى.
أما الفنانة الحروفية رجاء بن مصباح، فقد أبرزت البعد الفني لمرحلة التحرير والبناء، مشيرة إلى أن الفن التشكيلي لعب دوراً مهماً في تخليد رموز المقاومة، لحظات النفي والعودة، والمسيرة الخضراء.
وأكدت أن الأعمال التشكيلية المغربية منذ الخمسينيات شكّلت مرجعاً بصرياً يروي تاريخ الوطن بطريقة جمالية تُجدد الوعي الوطني عبر الإبداع.
كما تناول الأستاذ محمد علوي أهمية الاستقلال في صياغة الوعي الوطني، مستعرضاً محطات بارزة تمتد من لحظة استرجاع السيادة إلى المسيرة الخضراء وصولاً إلى القرارات الأممية الداعمة للوحدة الترابية، معتبراً أن ذاكرة المغرب “خيط نور” يتصل عبر الأجيال.
وأكد الأستاذ الغالي اللنجري بدوره أن عيد الاستقلال يظل مناسبة لإحياء عبق النضال واستحضار تضحيات رجال ونساء قدموا الكثير ليبقى المغرب حراً وموحداً، مشدداً على أن صون المكتسبات وتعزيز قيم المواطنة هما امتداد طبيعي لمعركة الاستقلال.
وفي ختام اللقاء، تمت قراءة سورة الفاتحة ترحماً على أرواح شهداء الوطن، في لحظة امتنان واستحضار لتضحيات جيل المقاومة والتحرير.