الإعدام النظيف سياسة التجويع : من البشر إلى الحيوان الأليف.

26 أغسطس 2025


– بقلم : الأستاذة سمية نخشى

أكره السياسة و مناوراتها و أمقت الخوض في غمارها ، لكن هناك دائما ، على أرض الواقع ، ما قد يستفز غضبك و قلمك و يجبرك على العودة رغم طول اختيارك الغياب .
فوجئت مثل الكثيرين بمشروع قانون رقم 25\19 ، يقضي بتجريم من يطعم أو يسقي أو يعتني بالحيوان الأليف: الكلاب و القطط الضالة و وتغريمه مبلغا ماليا يتراوح بين 1500و 3000درهم .
و انا على يقين أنني سأكون أول المجرّمين و المغرّمين ، لأنني أبدا لا أستطيع أن أمتنع عن مساعدة هذه الكائنات التي ذنبها الوحيد انها وجدت في الشارع ، على هذه البقعة من خريطة الكرة الأرضية، حيث يعجز مدبري الشأن العام فيها عن إيجاد حلول عملية و إنسانية في نفس الوقت ، تحافظ على الكائن و تحترم وجوده و حقوقه.
وحل المشاكل يكون عندهم دائما على حساب الحلقة الأضعف ، سواء تعلق الأمر بالمواطن : المتقاعد ، رجل التعليم ، الموظف البسيط….أو بنصف المواطن و هو هذا الحيوان الأليف الذي لا حول و لا قوة له.
ففي مواجهة أصوات المجتمع المدني و الهيآت الحقوقية الوطنية و الدولية التي تندد بعملية إعدام الكلاب و القطط الضالة. ، و أمام اقتراب موعد إستضافة التظاهرة العالمية لكرة القدم ببلادنا، ثم خوفا على المشهد العام و خشية من الانتقادات التي ستطالنا بخصوص الوضعية المزرية لهذه الكائنات الضعيفة ، لم تجد هذه الحكومة سوى حل واحد و هو : تجويع القطط و الكلاب الضالة و منع الناس من مساعدتها .
اللعنة….
أهكذا تصاغ القوانين؟
أهكذا تتفتق عبقرية المسؤولين عن قانون : ظاهره حماية المواطن ، صيانة البيئة و المحافظة على نظافتها و باطنه التخلص من هذه الكائنات البريئة بواسطة الإعدام النظيف عن طريق التجويع ، دون تكلفة مادية على الإطلاق و دون رصاص حي فيكونون في حل من دمها.
يبدو أن المحاصرة و التجويع أصبحت سياسة عالمية عابرة للحدود ، و نموذجا للاقتداء، فهو “أنظف ” وسيلة للقضاء على الضحية.
فبالله عليكم ، هل هذا هو الحل لمشكلة التكاثر العشوائي للحيوان الأليف الذي أصبح – من وجهة نظرهم – يهدد المظهر العام لشوارعنا و مدننا.
أليس هذا حلا همجيأ لمشكلة لم تنتبه لها الهيآت المسؤولة التي كان عليها منذ سنوات و عقود طويلة خلت ان تضع حلولا استباقية ، على غرار الدول المتقدمة ، تتمثل في انشاء الملاجىء و مراكز الإيواء مع التطعيم و التعقيم للحد من تكاثرها مع المحافظة على بقائها..
ألم يكن الأجدر الاقتداء بالنموذج التركي الذي لا يمنع أحدا من مساعدة الحيوان الذي يتمتع بكامل حقوقه في البقاء و و على افضل حال ، على مسؤولية الدولة التي خصصت آلات في الشارع العام لإطعامه و سقايته ، و هو يتجول بكل حرية و يتشارك الفضاءات السياحية و الساحات العمومية مع المواطنين و مع السواح ، يحمل وسمه الأصفر في أذنه علامة على تطعيمه ، و لا أحد يضطر أصلا لإطعامه لأنه لا يشكو جوعا ، فالدولة متكفلة بكل احتياجاته.
بالله عليكم ، هل يعقل أن تمنع المساعدة عن القطط و الكلاب الضالة قبل اتخاذ الإجراءات اللازمة لحمايتها و الاهتمام بها.
ثم لو تكفلت الدولة برعايتها هل سيكون هناك داعي لمثل هذا القانون. طالما لن يبقى هناك حيوان ضال.
لكن في غياب الملاجىء و مراكز الإيواء وهذا أول الإجراءات التي ينبغي على المسؤولين القيام بها ، مع إلزام المواطن بالتواطؤ ضد هذه الكائنات الضعيفة ، فهذا والله قتل مع سبق الإصرار و الترصد ، هو اغتيال للبراءة في هذا الكون.
رب قائل: هذا المشروع القانوني لمصلحة هذه ألكائنات و ذلك ربما لتقنين التبني .
المفروض ان دور القوانين هو تخليق الحياة العامة و تنظيم العلاقات الاجتماعية و الارتقاء بها ضمن معايير منطقية ، عقلية و أخلاقية .و الحال ان حكومتنا الحكيمة استهلت مشروعها هذا بمعاقبة المحسن قبل اتخاذ أي إجراء لحماية الكائن الضعيف.
كنت سارفع القبعةلو فعلا هيأت الظروف الملائمة ، قبل سن القانون الرادع، أما الردع قبل الإصلاح فهذا و الله عقم في المشاعر و منطق مختل يتنافى مع الفطرة السليمة و مع رجاحة العقل.
و لو نظرنا إلى الأمر من الناحية الحقوقية، أليس عارا علينا ، و نحن في الألفية الثالثة ان نلجألحكم الإعدام المبطن هذا في حق كائنات بريئة تتشارك معنا الوجود ، الأرض و الوطن
أليس هذا وطنها هي أيضا ، أليس الوطن انتماء و أمان .
ألم توجد هذه الكائنات على الأرض ملايين السنين قبل وجود الإنسان، تقدم له خدماتها دون شرط أو قيد أو مقابل .
هل نسينا دور القطط في الحفاظ على التوازن البيئي من خلال الحد من تكاثر القوارض التي تهدد الأمن الغذائي للإنسان بمهاجمتها المحاصيل الزراعية كما تهدد صحته بالأمراض مثل الطاعون .
الا تعتبر القطط مضادا طبيعيا للإكتئاب، بأصوات الخرخرة التي تصدرها و هي ذبذبات طاقة إيجابية للإنسان.
ألم يقدس المصريون القدامى القطط و اعتبروها رمزا للآلهة و
الحماية و الخصوبة .
ألم يرد في الحديث الشريف ” انها ليست بنجس، إنها من الطوافين عليكم و الطوافات ”
و انه ” في كل كبد رطبة صدقة ”
ألا يظهر مبدأ المساواة في قوله تعالى ” و ما من دابة في الأرض و لا طائر يطير بجناحيه الا أمم أمثالكم ”
و من الناحية الإنسانية ، أليست مساعدة الحيوانات الضعيفة واجبا إخلاقيا ينبغي الالتزام به .
فهل يجوز أن أمتنع عن مساعدة قطة مرضعة أو قطيطات صغيرة فقدت أمها….
هل أتخلى عن عشرات القطط المرابطة بباب منزلي أطعمها و أسقيها و أعتني بها و لو مرضت احملها للطبيب البيطري ، هل أتركها لقدرها تموت جوعا
هل اتخلص من القطة التي عقمتها و التي تعيش بحرية متنقلة بين الخارج و بين منزلي.
هل أتخلى عن الكلبة الصغيرة التي تاهت عن أمها و انضمت لحظيرتي المتواضعة تنتظر مني ما يسد رمقها و يطفئ ظمأها.
هل اتخلص من الاكواخ الخشبية الصغيرة التي هيأتها لولادتها و لصغارها.
ارجوكم لا أحد يفتيني بتبني قطة واحدة داخل منزلي ، لأن مساعدتي للقطط ليست تلبية لرغبة في الاستمتاع برفقتها كأنيس أو كدمية جميلة متحركة أتسلى و ألهو بها بل هو اهتمام بالقطط الضالة التي لا مأوى لها لحاجتها هي لي و لغيري.
و لا أحد يسترسل معي في موعظة ان الإنسان أولى بالمعروف من الحيوان.
الإنسان مسؤول عن غيره من كل الكائنات التي خلقها الله و مساعدتها واجبة كانت إنسانا أو حيوانا أو نباتا ، كل من موقعه و حسب ظروفه و إمكانياته خاصة أمام تقصير المؤسسات.
ثم إن الاهتمام بالحيوان لا يلغي الاهتمام بالإنسان و لا يعرقله
أعرف أن الكثيرين يرحبون بهذا القانون ، لكنني مؤمنة بأنها قضية إنسانية و انا أناصرها. فحمايتهم واجب و مسؤولية ، الاعتناء بهم رحمة ، وجودهم اختبار للإنسانية و تجويعهم جريمة نكراء حتى و لو كان المبرر هو تنظيف الشوارع و المدن استعدادا لاحتضان كأس العالم 2030 .
هو حل سحري و غير مكلف بل مدر للمداخيل و الغرامات كما لن يتطلب ميزانية ضخمة لبناء الملاجىء و مراكز الإيواء و التطبيب و الإطعام : تجويع الحيوان و تغريم من يساعده ، و هذا من باب ” ضرب عصفورين بحجر واحد ”
كلنا في انتظار هذا الحدث العالمي و نحلم بوجه مشرق لمملكتنا الشريفة لا تخدشه مشاهد مضحكة مبكية مثل تجفيف الملاعب ” بالكراطات ” تثير سخرية الإعلاميين في كل أنحاء المعمور.
ثم إذا كان هذا القانون يسعى لتنظيف الشوارع و تزيين مظهرها العام و استبعاد أي تلوث بصري فما العمل مع جموع المتسولين و المشردين و المرضى العقليين الذين يجوبون الشوارع و يهددون أحيانا أمن المواطن .
هل ينبغي تجويعهم هم أيضا لإبادتهم ام ربما من الأفضل إحراقهم مثلما فعل ” نيرون ” حينما عزم على بناء روما جديدة ، فأمر بإحراقها ليلا و الشعب نائم
فاللهم اني استودعتك ارواحا بريئة تسبح لك .
اللهم رفقا بكائنات ضعيفة لا حول لها و لا قوة
اللهم احمها من القانون القاتل و من قسوة المواطن الذي لا يتورع عن تسميمها و دهسها بعجلات السيارات لتتناثر أشلاؤها معلنة ” موت الإنسان” قبل موتها
فلطفك يا الله.
ختما ،أعلن رفضي القاطع لهذا المشروع الذي حتما سيمرر قبل إيجاد البدائل اللازمة لحماية الحيوان الأليف.

 

اترك رد

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading