
– ذ . محمد الشدادي :
يعد العنف المدرسي من أبرز التحديات التي تهدد البيئة التربوية، حيث تشهد المؤسسات التعليمية تناميًا مقلقًا في حالات الاعتداء على الأساتذة، مما يتطلب اهتماما جادا من جميع الأطراف المعنية، وخاصة حين تصل الأمور إلى مستويات خطيرة مثل التصفية الجسدية، كما حدث مؤخرا لشهيدة الساحة التعليمية بأرفود الأستاذ هاجر، في ظل ضعف التدبير الإداري وغياب آليات فعالة للردع. هذا الأمر يستدعي التدخل العاجل لمعالجة الأسباب الجذرية وتعزيز الانضباط داخل المؤسسات التعليمية.
وفي هذا الصدد تأتي الاحتجاجات والاضرابات التي يخوضها الجسم التعليمي بكافة ربوع المملكة، ويبقى دور هذه الاضرابات والاحتجاجات التي تخوضها الشغيلة التعليمية هو التضامن والمآزرة والاستنكار لهذا الفعل الجبان، لتسليط الضوء على قضايا العنف المدرسي، كما تهدف إلى تحسين البيئة المدرسية وظروف العمل، والعمل على تحسين الوضع الاجتماعي للأساتذة والتلاميذ، والدفاع عن كرامة رجال ونساء التعليم.
فالاحتجاجات تعمل على لفت الانتباه إلى ما أضحى يشوه الساحة التعليمية قصد دفع المسؤولين لاتخاذ اجراءات عاجلة لمعالجة العنف المدرسي، وذلك من خلال تعزيز الأمن داخل المؤسسات وبمحيطها، كتوفير حراس الأمن ، وكامرات، ودوريات أمنية بمحيط المؤسسات التعليمية التي أصبحت مرتعا وسوقا رائجا لبيع المخدرات وأنواع السموم لفلذات أكبادنا. وتحسين الوضع الاجتماعي والمادي للأساتذة لتعزيز مكانتهم داخل المجتمع، مما يقلل من التوترات بينهم وبين التلاميذ.
فالاحتجاجات خطوة أولى ومهمة لكنها تحتاج من المسؤولين إلى التقاط الرسائل التي يريد إيصالها المضربون، ودعمها بحلول عملية ومستدامة. فمن تحديات تدبير العنف المدرسي التي تزيد في تناميه بشكل مخيف أذكر ما يلي:
1. تكليف أطر الدعم التربوي والاجتماعي بمهام إدارية ومالية.
ففي العديد من المؤسسات التعليمية التي تعاني من الخصاص في موارد بشرية لتدبير الشؤون الإدارية والمالية، يبخس دور فئة أطر الدعم التربوي وأطر الدعم الاجتماعي فيتم تكليفهم بمهام إدارية أو مالية كالحراسة العامة، أو ممون الاقتصاد، مما يسبب خللاً في أدوارهم الأساسية التي راهن عليها المشرع لتعزيز الأمن النفسي والاجتماعي للمتعلم حين تم فتح هذه المسالك بالمراكز الجهوية للتربية والتكوين. هذا التكليف يؤدي إلى تقصير في تقديم الدعم النفسي والاجتماعي اللازم للتلاميذ، وهو أمر ضروري لمعالجة الأسباب السلوكية وراء حالات العنف التي باتت تتنامى داخل الوسط المدرسي. وقد تجد البعض منهم بعدما كانوا يرفضون هذا التكليف أصبحوا يتهافتون عليه بعد إقرار التعويض على مهام التكليف بالإدارة التربوية.
2. أدوار خلية الاستماع شكلية:
تعتبر خلية الاستماع أداة أساسية لدعم التلاميذ نفسيا واجتماعيا، إلا أن محدودية دورها قد تعود إل عدة أسباب منها تكليف أفراد غير مدربين أو متخصصين بإدارة هذه الخلايا، مما يضعف دورها في تقديم الدعم. وهناك قلة الموارد المالية والبشرية المخصصة لتفعيل دور هذه الخلايا مما يؤدي إلى غياب برامج فعالة لمساعدة التلاميذ الذين يحتاجون للدعم النفسي والاجتماعي والتربوي. و عدم ثقة التلاميذ أو إحساسهم بعدم الجدوى لعرض مشاكلهم على هذه الخلايا. بالإضافة إلى غياب التقييم الدوري لعمل هذه الخلايا، وفي بعض المؤسسات هناك غموض حول دور الخلية وآلياتها مما يحد من تأثيرها، ولا نسمع لهذه الخلايا صوتا إلى عند سماعهم النشرات الجوية للاضطرابات الجوية ذات اللون البرتقالي، فيقرورن تعليق الدراسة حفاظا على سلامة التلاميذ.
3. تردد رؤساء المؤسسات في عقد مجالس الأقسام:
من بين القضايا التي تفاقم مشكلة العنف المدرسي ، تردد بعض رؤساء المؤسسات في عقد مجالس الأقسام للنظر في تجاوزات التلاميذ رغم تلقيهم شكايات من عدد من الأساتذة والأستاذات عند تعرضهم للعنف اللفظي أو الجسدي، أو التحرش الجنسي من قبل بعض التلاميذ. و يمكن إرجاع هذا التردد إلى عدة أسباب، كخوف رؤساء الموسسات من التصعيد خشية تأجيج الوضع مع أولياء الأمور أو التلاميذ، والضغوط الخارجية كتأثير العلاقات الشخصية أو المجتمعية التي تحول دون تطبيق العقوبات، والرغبة في الحفاظ على السلم داخل المؤسسة. كل هذا يؤدي إلى التساهل في تطبيق العقوبات فتتكرر مثل هذه السلوكيات السلبية، بل يصبح التلميذ الذي يعنف الأستاذ قدوة لباقي التلاميذ.
الحلول المقترحة لتجاوز الإشكالات:
قصد الحد والتخفيف من تداعيات انتشار فيروس العنف المدرسي أقدم بعض المقترحات التي أراها كفيلة بذلك إذا أخذت بعين الاعتبار:
_ دعم الأطر التربوية والاجتماعية بإعادة توزيع المهام داخل المؤسسة لضمان قيام كل إطار بمسؤولياته الأساسية، وما تم تكوينه عليه بالمراكز الجهوية للتربية والتكوين. و توفير الأطر الإدارية الكافية من حراس عامين ونظار بالمؤسسات التعليمية، مع الحرص على أدائهم واجباتهم لكون البعض منهم يرى أن التحاقه بمسلك الإدارة التربوية كان من أجل الابتعاد عن روتين القسم، وأن الإدارة هي منصب للتمتع بالراحة، و الاستفادة من التعويض المالي، فقد تجد في بعض المؤسسات التعليمية أن حراس الأمن هم من يقومون بكل شيء.
كما يجب توفير تكوين مستمر للحراس العامين لتمكينهم من القيام بدورهم بشكل فعال دون تحميل أطر الدعم التربوي أو الدعم الاجتماعي مسؤوليات إضافية خارج مهامهم.
_ تفعيل دور مجالس المؤسسة و إلزام المؤسسات بعقد مجالسها المختلفة وانتخباها بشكل شفاف وديمقراطي، و بانتظام للنظر في كافة قضايا المؤسسة التعليمية، والتي منها تجاوزات التلاميذ. ففي بعض المؤسسات تجد رؤساء المؤسسة هم من يقومون بتعيين أعضاء هذه المجالس ضاربين عرض الحائط بكل القوانين المنظمة لتشكيل هذه المجالس، فيبقى معيار الاختيار هو الانتماء الحزبي أو النقابي، أو سكوت الأستاذ، هذا الأستاذ له رأي ويناقش فلا يصلح كعضو في المجلس الفلاني، أما الآخر فعكسه ويوافق على كل ما يدلي به السيد رئيس المؤسسة.. مما يجعل هذه المجالس تفرغ من قيامها بواجباتها التربوية لتحقيق بيئة مدرسية مناسبة وآمنة.
_ إلزام رؤساء المؤسسات بضرورة عقد المجالس التأديبية حين تلقيهم شكاية بأحد من أساء الاحترام مع أحد الأطر التربوية أو الإدارية بالمؤسسة ، فالحزم التربوي مطلوب وضروري،دون خوف أو تردد.
– وضع ضمانات لحماية رؤساء المؤسسات والحراس العامين من الضغوط الخارجية ودعمهم باتخاذ قرارات حازمة، عند حدوث أي عنف اتجاه الأساتذة أو تحرش ضد الأستاذات، فمرارا ما تجد بعض الإداريين ينسحبون من القيام بأدوارهم لكونهم تركوا وحدهم في بعض الحالات التي أوصلتهم إلى مخافر الشرطة والدرك لاتهامهم من قبل بعض التلاميذ وآبائهم. مما يتطلب ضرورة تضامن الجسم التربوي والإداري للوقوف في وجه كل من يريد المس بكرامة وسمعة أي رجل التعليم. لكن مهما ما يتعرض له البعض منهم ليس مبررا للتخلي عن القيام بمسؤولياتهم ويعزلون أنفسهم داخل مكاتبهم غاضين الطرف عن كل ما يحدث بين جدران المؤسسة من سلوكيات لا تربوية.
_ تعزيز الردع الإصلاحي وذلك من خلال استبدال العقوبات التقليدية ببرامج إصلاحية مثل تنظيم أنشطة مجتمعية أو تربوية، و توجيه التلاميذ الذين يتكرر منهم العنف إلى جلسات دعم نفسي وسلوكي.
_ تفعيل أدوار الحياة المدرسية، و إشراك الأسرة والمجتمع، و تعزيز التواصل مع أولياء الأمور وتوعيتهم بأهمية المشاركة في تقويم سلوك أبنائهم.
= الحرص على احترام القانون الداخلي للمؤسسة من قبل المتعلمين، احترام ساعات الدخول والخروج، والالتزام بالهندام المناسب للتلميذ.
_ إعادة النظر في إعادة تسجيل التلاميذ بناء على طلب الاستعطاف، من خلال وضع شروط صارمة لقبول إعادة تسجيلهم تتضمن تقييمات نفسية واجتماعية.
_ .تشجيع التلاميذ الذين يعانون من الفشل الدراسي على الالتحاق بمراكز التكوين المهني بدل ضياع سنوات من عمرهم بالمدرسة دون فائدة.
– تنظيم لقاءات مجتمعية تسلط الضوء على خطورة العنف المدرسي ودور الجميع في التصدي له.
وختاما من أجل بيئة مدرسية آمنة لابد من مواجهة العنف المدرسي الذي يتطلب تكاملاً في الأدوار بين الإدارة، الأطر التربوية والاجتماعية، الأسرة، والمجتمع.
والعمل على تطبيق هذه المقترحات سيسهم لا محالة من ضمان تعزيز الانضباط داخل المؤسسات التعليمية، مما سينعكس إيجابيًا على جودة التعليم وحماية حقوق الأساتذة والتلاميذ على حد سواء.