
- أحمد الشواي
كان مراد ينظر إلى السماء الملبدة بالغيوم من نافذة الحافلة، يتأمل الطريق الممتد أمامه كأنه شريط من الزمن لا ينتهي. ثلاثون ساعة تفصل بينه وبين مدينة بروكسل، حيث تنتظره بداية جديدة. كانت تأشيرة “شِنغِن” حلمًا بعيد المنال، لكنها الآن حقيقية بين يديه، مفتاحًا لعالم لم يعرفه من قبل.
بدأت الرحلة من ميناء مدينة طنجة إلى الجزيرة الخضراء في إسبانيا.
بميناء الجزيرة الخضراء ،كانت الحافلة التي تنتظره، ممتلئة بمسافرين من جنسيات مختلفة، وكل وجه يحمل قصة.
صعد مراد إلى الحافلة واخذ مقعده.
أمامه جلست عائلة شابة تتحدث بلغة لم يفهمها، خلفه شاب يتكلم عبر هاتفه بصوت عالٍ عن فرص العمل في أوروبا. أما مراد، فقد كان صامتًا، غارقًا في أفكاره.
في المحطة الأولى، نزل الركاب لتناول الطعام. وبينما كان يتجول في السوق الصغيرة، اقترب منه رجل مسن، يحمل حقيبة صغيرة وعصا خشبية. “أنت ذاهب إلى بروكسل؟” سأل الرجل بنبرة واثقة.
“نعم، كيف عرفت؟”
ابتسم الرجل وقال: “رأيتك تتأمل اللافتة. لا تخف، ستجد طريقك.”
عاد مراد إلى الحافلة، لكن كلمات الرجل بقيت عالقة في ذهنه. كانت هناك لمسة من الحكمة في صوته، كأنها رسالة من القدر.
عندما وصلت الحافلة إلى بروكسل، كان المطر يتساقط بغزارة. نزل مراد على عجل، حاملاً حقيبته التي بدت أثقل مما هي عليه. وقف للحظة في الشارع، يتأمل المدينة التي بدت له غريبة وباردة. لم يكن يعرف إلى أين يتجه، لكن لافتة “مقهى الأندلس” جذبت انتباهه.
دخل المقهى، وكانت الرائحة مألوفة، تشبه رائحة المقاهي في حيّه القديم بالمغرب. جلس على طاولة في الزاوية، طلب كوب شاي، وبدأ يتأمل المكان.
“مراد؟” جاءه صوت مألوف من الخلف. استدار ليجد صديقه القديم خالد، الذي لم يره منذ سنوات. “لم أصدق أنك حقًا هنا!”
جلس خالد بجانبه، وأخبره عن الحياة في بروكسل، عن الفرص والصعوبات، وعن كيفية التعايش مع الغربة. تحدثا لساعات، وكانت الكلمات كأنها جسر يعبر به مراد من الماضي إلى الحاضر.
في تلك الليلة، أدرك مراد أن الرحلة لم تكن فقط انتقالًا من بلد إلى آخر، بل كانت عبورًا إلى حياة جديدة، مليئة بالأمل والتحديات. وفي مقهى الأندلس، وجد بداية الحكاية التي طالما بحث عنها.
( قصة مقتبسة من وقائع حقيقية…! ).