مقام البوح 16 : الماكينة SiNGER

17 أغسطس 2023

محمد أكرم الغرباوي

على غرار دار المعلمات بالمدينة القديمة ، كان فضاء النادي النسوي السدراوي العريق بحي الأندلس ( سكرينيا سابقا) وغيره بأحياء المدينة قِبلة لعاشقات موسيقى عجلة الماكينة و سحرها في إخراج ملابس عصرية شبيهة بالتمام لصور الكاتالوجات الناذرة ،
إختارت نسوة من حينا ومنهن والدتي حفظها الله أن تسلكن طريق نسائم مسك الليل و السكنيات الإسبانية المعمار . إلى حيت معهد أو النادي النسوي ” السدراوي ” . الذي كان خبيرا منذ بداياته في استلهام همم النساء و بعث روح التعلم فيهن . و سد كل ذرائع التخوف أو عراقيل التغيب أو التوقف . خصصت لنا نحن الابناء الصغار فضاءات التعليم الأولي ، أقسام مبهرة بالألوان و اللعب نتعلم فيها أبجديات النطق السليم و القراءة و الإشتغال اليدوي و المهارة . كانت أمهاتنا بالقرب منا . ولكأننا دار منازلنا نحس الأمن و الأمان و متعة المجيء اليومي .
كنا نسرق التلصص و نتطلع الى مايقمن به داخل صالات و أقسام الماكينات ( الالات ). طاولات كبيرة و أثواب و ملابس . أدركنا أنها طاولات الفصالة و الخياطة الجماعية و الطرز و الإشتغال على الملابس الصوفية بإستعمال الأعواد . إختلف نطقنا يومها للأستاذة كانت لدينا مٌعلمة بضم الميم و كسر اللام . بينما كان لهن مْعلمة بتسكين الميم و اللام . لكن الهدف واحد . مربيات معلمات مخلصات لروح النبل و الصنعة . هن شريفات دار او نادي السدراوي طوال التاريخ .
خلال فترة إستراحتنا كنا نسمع صوت عجلات آلات الخياطة وهي تدور و تسبح مع الثوب في ميلان و إستقامة . وكثيرا ما كنا نسمع بعض صرخاتهن بعد إصابتهن بوخز إبرة او ضربة مقص أو عضة نزق ( الفار مربط الخيط)
هي نفسها آلة الخياطة التي كانت ببيتنا لسنوات وكأنها إختارت أن لاتكبر بكبرنا . كانت ببهو منزلنا . نستمتع بهديرها و رنتها . ظلت أمي ترافقها و تستمتع بقدرتها على مسايرتها في الخلق و الإبداع و التفنن في حياكة ملابسنا الأنيقة التي كنا نفخر أنها من صنع يديها الكريمتين. كما هو حال العديد من أصدقاء و صديقات الطفولة . وأذكر جولاتنا بحثا عن ثوب من تجار المدينة الشرفاء الحاج السفريوي و الحاج التيمي البقالي رحمهم الله و الحاج سليمان و بنيس و البوطي …ألهمم الله جميعا الصحة و العافية و كذا طواف الخيط من العطارين . عملية الفصالة كانت تتطلب حسابات و دقة و تركيز ( ميات تخميمة و تخميمة و لاضربة المقص ) كانت عودتنا من المدرسة مساء لاتحلو إلا بشاي وقطعة خبز و زيت و سكر و صوت العجلة الحديدية يهضمها .
هكذا عاشت أمهاتنا – حفظهن الله و بارك في اعمارهن و صحتهن و رحم الله بعضهن – هكذا بهذا النفس و موسيقى الجهد و التعب أحيانا عشن متعة هواياتهم و إخلاصهن لسر الحياة و التعاون الأسري . ومنهن من كانت الآلة ( الماكينة ) هذه عمودا لها يصون كرامتها و كرامة أسرتها . و الماكينة بهذا الإسم القوي اللفظ عرفناها . لكنها لم تهزم يوما المؤنسات ، القوارير الحرائر .
كم مرة صعدت سطح المنزل ووجدتها منفصلة قطعة قطعة في حالة صيانة . ثم تعود للدوران كماهي ساعة الزمن .
محمد أكرم الغرباوي
باحث في الفنون التعبيرية
كاتب و مخرج مسرحي

اترك رد

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading