– بقلم ذ عبد الحميد علوشا
تابعتُ، كما تابع كثيرون، مجريات المؤتمر الوطني التاسع لحزب العدالة والتنمية، وكنتُ ــ كغيري من المتطلعين إلى بعض الأمل في المشهد الحزبي ــ أرجو أن يتمخض هذا المؤتمر عن مفاجأة تعيد للحزب روحه النضالية، وتُضخ دماءً شابةً جديدة، قادرة على التحدي ومجابهة الأوضاع التي تمر بها البلاد. لكن سرعان ما سقطت هذه الآمال حين أعلن المؤتمرون، وبتصويت كاسح، إعادة انتخاب عبد الإله بن كيران، الرمز القديم، رئيسًا للحزب.
هنا، يفرض السؤال نفسه بإلحاح:
هل كان هؤلاء المؤتمِرون أحرارًا في اختيارهم؟ أم أنهم مجرد “قوم تبع” يسيرون حيث تأمرهم مراكز التأثير العميقة؟
لنتحدث بصراحة:
القرار لم يكن ديمقراطيًا بالمعنى العميق للكلمة، بل كان أشبه بطقس بيعة سياسية، لا فرق بينه وبين ما كان يتم في البلاطات التقليدية. بدلًا من أن يناقش المؤتمرون مستقبل الحزب ومستقبل البلاد، أعادوا تكرار سرديات الاستسلام: “ليس لنا أفضل من ابن كيران”، “الزعيم المنقذ”، “الوحيد القادر على مخاطبة الشعب”…
هكذا، قتلوا الأمل بأيديهم.
بين سطوة الزعيم ومتاهة الدولة العميقة
لنكن منصفين:
ابن كيران ليس مجرد شخص. هو ظاهرة سياسية صنعتها تقاطعات داخلية معقدة: رجلٌ كان لعقود صوتًا مقبولًا داخل دوائر الدولة العميقة، و”صمام أمان” لضبط الغضب الشعبي، خاصة في مرحلة ما بعد الربيع العربي.
لكن المفارقة أن الرجل نفسه، الذي كان يبدو أحيانًا “ثوريا” في خطابه، لم يتجاوز في حقيقته دوره كـ”منظف لأوساخ المرحلة”، تمامًا كما وصف هو نفسه ذات يوم!
إذن، حين يتم انتخابه مجددًا، رغم كل شيء، فليس لأن الحزب يؤمن به كخيار للمستقبل، بل لأنه يمثل ضمانةً لدى أكثر من طرف: ضمانة لاستمرار الخطاب المهادن، وضمانة لاحتواء القواعد الساخطة، وضمانة لعدم انفلات اللعبة نحو مساحات غير مرخص بها.
بمعنى آخر:
كان المؤتمر لحظة إعادة ضبط داخل الحزب، وليس لحظة تجديد أو بناء.
وأين الشباب إذن؟
في كل المؤتمرات والندوات الحزبية، تسمع حديثًا مكرورًا عن “تشبيب الحزب”، عن “الرهان على الكفاءات الجديدة”، عن “فتح المجال أمام الجيل الجديد”…
لكن كلما جاءت ساعة الحسم، يتوارى الشباب، أو يتم تهميشهم، أو يتم استغلالهم كجوقة تصفيق.
الواقع السياسي المغربي اليوم يُظهر بوضوح:
هناك فجوة بين جيل يحكم ولا يريد المغادرة،
وجيل جديد ممنوع من الاقتراب أو التغيير الحقيقي.
وما حصل في مؤتمر العدالة والتنمية ليس سوى انعكاس لهذا المرض البنيوي:
الخوف من المستقبل.
كلمة أخيرة
إن ما جرى، بعيدًا عن الحماسة والإنشاء، يعكس حقيقة الوضع السياسي المغربي:
أحزاب كرتونية تُعيد إنتاج نفس القيادات.
مؤتمرات صورية تؤثث مشهدًا فارغًا من المعنى.
وشعب يتابع المشهد ساخرًا، يائسًا، دون أن يرى في هذه الأحزاب أملًا في التغيير.
لقد اختار مؤتمر العدالة والتنمية الماضي بدل المستقبل، والتكرار بدل المغامرة، والعجز بدل التحدي.
وللأسف، ما حدث هناك ليس حدثًا معزولًا، بل هو عنوان مرحلة سياسية كاملة في البلاد: مرحلة الرماد فوق الجمر.