– ذ . عبد المالك العسري :
أن يُترك عمال النظافة، أولئك الذين يكدحون يوميًا في صمت لتنظيف المدينة ، دون أجر ، ليس فقط انتهاكًا صارخًا لحقوقهم الأساسية، بل هو أيضًا علامة دالة على هشاشة العلاقة بين العمل والكرامة في منظومة تعاقدية فاسدة ومختلة. هؤلاء العمال، المشتغلون مع الشركة المفوض لها تدبير قطاع النفايات الصلبة من طرف الجماعة الترابية، يجدون أنفسهم مرة أخرى مجبرين على الاعتصام والاحتجاج، لا طلبًا لامتيازات، بل فقط للمطالبة بما هو بديهي: أجرهم الذي كدّوا لأجله.
في مجتمع يزعم احترام القوانين والاتفاقيات الدولية لا يمكن فهم هذا الصمت الطويل عن شركة تستفيد من المال العام، دون أن تفي بالتزاماتها تجاه من يصنعون يوميًا صورة المدينة ونظافتها. فمن غير المعقول أن يظل العامل في موقع هش، بلا حماية حقيقية من التعسف، فقط لأن صوته خافت، أو لأن عمله يُنظر إليه كخدمة ثانوية. بينما الحقيقة أن هؤلاء هم خط الدفاع الأول ضد التلوث، ضد تفشي الأوبئة، وهم من يشتغلون في ظروف قاسية لا يطيقها كثير منا
الخطير في الأمر ليس فقط تأخر الأجور، بل تطبيعه، وتكراره، وتحوّله إلى وضعية اعتيادية لا تثير سوى سخط المعنيين بالأمر. هذا التسويف المستمر لا يمس فقط الحقوق الاقتصادية للعمال، بل يؤثر في نسيجهم الأسري، في قدرتهم على أداء التزاماتهم اليومية، في شعورهم بقيمتهم في المجتمع. إن امتهان كرامة العامل بهذا الشكل هو انتهاك صريح لما ينص عليه دستور المملكة نفسه، الذي يضمن الحق في الشغل اللائق، والكرامة، والحماية الاجتماعية.
وإذا كانت الشركة تستند إلى عقود وتفويضات رسمية لممارسة نشاطها، فإن المسؤولية لا تقع عليها وحدها، بل تمتد لتشمل الجماعة الترابية نفسها، التي تُفترض فيها الرقابة والتتبع، وضمان احترام بنود العقد المبرم. فهل يُعقل أن تستمر مؤسسة ترابية في التعاقد مع شركة تماطل في أداء أجور العمال؟ ألا يستدعي الأمر وقفة تقييم حقيقية لهذا النموذج من التدبير المفوض الذي يحوّل الخدمات العمومية إلى ساحة لاستغلال اليد العاملة بأبخس الأثمان، في غياب أي آلية للمحاسبة الصارمة؟الا يقتضي الامر تدخل سلطات الوصاية ؟
ثم إن الاعتصام، كشكل من أشكال الاحتجاج، ليس إلا الوسيلة الأخيرة التي يلجأ إليها العامل بعد أن تُغلق كل الأبواب، وبعد أن يُقابل مطلبه المشروع بالتجاهل أو الوعود المؤجلة. والمؤسف أن هذا الاعتصام يتكرر دون أن يُفضي إلى حلول جذرية، مما يشي بأننا أمام أزمة بنيوية في تدبير العلاقة مع هذه الفئة من الشغيلة، التي تُسهم في دورة الحياة الحضرية بقدر ما تُهمَّش في السياسات العمومية.
من ينظف للشركة سمعتها؟”