الفنان محمد الرايس يحكي…

16 مارس 2023

_ محمد الرايس

كانت بداية هجرتي منتصف ثمانينات القرن الماضي بعد إتمام دراستي التشكيلية بالمدرسة الوطنية للفنون الجميلة بتطوان ، وكان وصولي إلى برشلونة شهر يوليوز صيف عام 1984 منتصف الليل على متن قطار  طالݣو Talgo Express بمحطة صانص للقطارات قادما لها من محطة شامرتين مدريد العاصمة التي تبعد عنها بحوالي سبعة مئة كيلومترات ، أي بعدما تم قبولي بكلية الفنون الجميلة هناك ، كانت رحلة ليلية طويلة استغرقت أكثر من عشر ساعات ، وفي رحلتي هذه تعرفت على فتاة أمريكية من ولاية فرجينيا- من أتلانتا، كان إسمها ليزا مانيز كانت جد شقراء وجميلة وتبتسم بعفوية ، قضينا ليلة جميلة ملؤها الحب الإنساني والإنسجام , حيث كانت تجادبني الحديث بكل عفوية و تتصرف بصدق و حرية .. كان حديثنا وتبادل وجهات النظر يدور حول إسبانيا وبلدها أمريكا الشمالية وكذلك المغرب … كانت رحلة ممتعة و فريدة ظلت ذكرياتها راسخة في مخيلتي إلى اليوم … وإبان رحلتنا ناولتني لييزا رقم هاتفها وعنوان إقامتها ودعتني لزيارتها ببلدتها أتلانتا , التي ولدت بها بولاية فرجينيا …لكن لسوء الحظ ظروفي المادية ودراستي كطالب لم تكن تسمح لي بذلك… كانت بداية حياتي الطلابية بالمهجر جد صعبة ولا تسمح لي بزيارة الولايات المتحدة ، كان في ذلك الفترة رئيس الولايات المتحده الامريكيه هو الرئيس الأمريكي السابق الراحل رولاند ريكان من الحزب الجمهوري …. وبينما نحن في رحلتنا على متن القطار كانت العديد من الشعارات السياسية المنددة بزيارت الرئيس الأمريكي من طرف الأحزاب اليسارية الشيوعية تملأ جدران ممرات الخطوط الحديدية و الأنفاق ووجهات الحيطان بجمل شعارات سياسية وجمل مكتوبة بحروف كبيرة ، ورسوم غرافيكية تعبر وتحتج وتندد بزيارة رئيس الولايات المتحده الأمريكية على زيارته في ذلك الفترة من عقد منتصف الثمانينات لإسبانيا ! وكانت الشابة ليزا الأمريكية تشاهدها بصريا بتمعن شديد و تقرأ دلالات خطاباتها وتستغرب، وتشمأز ويسكنها الحزن !؟ و كانت أحيانا تصرخ من أعماقها وتردد ياللعار!!؟ ياللعار لماذا يكرهون رئيسنا الأمريكي رونالد ريكان ؟ فكنت اتفهم غضبها وأحاول تهدأتها ببرودة .. وأقول لها لا تهتمي بالشعارات السياسيه ؟!! مؤكدا أن الشعب الإسباني لا يكره الشعب الأمريكي … إنها أمور سياسية ومواقف بروباغندا لأحزاب شيوعية تكره نظام الحكم الرأسمالي ومن خلال هذا تحاول كسب الرأي العام . وكنت أحاول التخفيف عنهابأن لاتشغل بالها بخزعبلات السياسة. وبعد وصولنا برشلونة ودعتها ، و بعدها أخدت طاكسي أجرة يعمل بالعداد حيث كانت التسعرة تعادل اليوم ثلاثين يورو ( خمسة ألف بسيطة في في تلك الفترة الزمنية من القرن الماضي منصتف عقد الثمانينات ) حيث أخدت الطاكسي من برشلونة إلى عنوان إقامة أختي .. مَكَثْتُ صيف هذه السنة مع أختي التي كانت تقيم بمدينة ݣرانوييرس بلدة وعاصمة el Vallès oriental يبلغ تعداد سكانها 150000 ألف نسمة وتبعد عن برشلونه بحوالي خمسة و ثلاثين كيلومتر ،في تلك الفترة الزمنية كان عدد المهاجرين المغاربة المقيمين بهذه البلدة على رأوس الأصابع ، وبعد قصاء عطلة الصيف هناك عدت إلى مدريد العاصمة من جديد قصد بداية دراستي الفنية هناك … حيث أقمت قريبا من ساحة باب الشمس puerta del Sol بقلب العاصمة مدريد.. كانت بداية المبيت بنزل ماريا Hostal María لمدة ثلاثة أيام وكانت ماريا من أصول مغربية وتنصرت ووتناول الروج بلا إنقطاع كل يوم وكان لها كلب من عرق ألماني pastor alemán .. ماريا العجوز السكيرة مالكة  فندق Hostal María , كان إبن من أب إسباني وتبدو ذلك من خلال ملامح وجهه و يلقب بخوان …… لكن لسوء حظي لم أطق كلب ماريا  الذي كان يتجول بكل حرية داخل النزل ، كانت رائحته كريهة ويترك بقايا شعره بكل مكان.. أصبت بالحساسية من شدة رائحته الكريهة وكذلك روائح نبيد Tinto/ rouge الذي كانت مدمنة عليه بلا إنقطاع طيلة الليل والنهار… بعدها لم أتحمل هذا الوضع وغادرت إلى نزل أخر يديره لبناني مسيحي متقدم في السن وله رفيقة برتغالية شبه لزوجة تعيش معه بنزل كواطرو بوسطيس cuatro postes بشارع خاردينيس calle jardines الذي يطل على شارع مونطيرا المعروف ببائعات الهوى calle montera الذي يأدي مباشرة إلى plaza del puerta del Sol ، كان ثمن الكراء الشهري لبيت صغير جدا في تلك الفترة 700درهم ما يعادل إثنة عشرة ألف بسيطة ولم يكن وجود لعملة الأورو ولا عضوية لإسبانيا بالسوق الأوربية ، ولا وجود لما يسمى بالإ تحاد الأوربي ، كانت مصلحة التعليم العالي لوزارة التربية الوطنية المغربية تبعث لنا بمنحة دراسية قدرها ألف درهم في الشهر ، وبالرغم أن مستوى العيش في تلك الفترة كان أقل مستوى من العيش في حاضرنا .. كانت المنحة الدراسية لا تكفينا بتاتا كنا نحن طلبة الفنون الجميلة مغاربة وأجانب نذهب الى متنزه parque del Retiro حديقة ر ىيثرو الشهيرة والقريبة من متحف البرادو Museo del prado ، كنا نرسم لوحات كبيرة دينية مسيحية لكبار رسامي المدرسةالإسابنية والمدارس الفنية الأوربية المعروفه في تاريخ الفن الغربي فوق الأرض بالألوان الطباشير ية لإثارة السواح كي يلقو لنا بالنقود قصد تسديد مصارفنا اليوميةوالدراسية ، تابع فحكايات حياتي بالمهجر كلها معانات وصبر جميل ويصعب البوح بكل أسرارها الخلفية والخفية ….

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

الاخبار العاجلة

نستخدم ملفات الكوكيز لنسهل عليك استخدام موقعنا الإلكتروني ونكيف المحتوى والإعلانات وفقا لمتطلباتك واحتياجاتك الخاصة، لتوفير ميزات وسائل التواصل الاجتماعية ولتحليل حركة الزيارات لدينا...لمعرفة المزيد

موافق

اكتشاف المزيد من أخبار قصراوة العالم

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading