بقلم عبد القادر الغزاوي
تحدثنا كتب التاريخ والأدب العربيين أنه برزت على مر عصور التاريخ والأدب شاعرات عربيات اشتهرت كثير منهن ، وسطع نجمهن في سماء الشعر العربي . حيث لم يقتصر نسبهن على طبقة معينة في المجتمع الذي برزن فيه ، بل ظهرت عدة شاعرات منهن الأميرة والجارية ، والحرة والأمة ، ومنهن على سبيل المثال تميمة بنت يوسف بن تاشفين ، وحواء وزينب بنتا الأمير إبراهيم بن تيفلويت ، وحواء بنت أخي الأمير يوسف بن تاشفين أمير المسلمين لأمه وزوجة الأمير سير بن أبي بكر أمير إشبيلية ، وورقاء بنت ينتان وغيرهن …
ومن الشاعرات التي سطع نجمها في سماء الشعر الأميرة الشاعرة تميمة التي كانت تكنى أم طلحة ، وهي بنت السلطان المرابطي يوسف بن تاشفين ( 400 ـ 500 هـ ) ، الذي يعد من أعظم الملوك في التاريخ ، والذي ينتمي إلى الدولة المرابطية ( 430 ـ 541ة هـ / 1038 ـ 1156 م ) . وهي أخت السلطان من بعد وفاة أبيه أبو الحسن علي بن يوسف بن تاشفين . وأمها تسمى قمر الرومية التي دخلت الإسلام ، وتكنى أم الحسن ، نظرا لجمالها الفائق ، وتشير كتب التاريخ أن يوسف بن تاشفين كان له من الأبناء بالإضافة إلى تميمة ، علي الخليفة بعده وتميم وأبو بكر والمعز وإبراهيم وكوتة ورقية. فقد كانت تميمة أديبة وشاعرة ، حيث كانت تعيش بين ضوابط وأعراف دينية ومجتمعية لا تسمح لها بتجاوزها ، إلا أن عصر الدولة المرابطية عرف انفتاحا وتقدما في مختلف المجالات العلمية والثقافية والأدبية ، الشئ الذي جعل المرأة تساير هذا الانفتاح والتقدم ، فأضحت تنافس الرجل في تلك المجالات ، وبات لها مكان متميز ، فظهرت جماعة متألقة من الشواعر والأديبات والعالمات … حيث يقول عبد الله كنون : ( ولم يقتصر هذا الولوع بالعلم والنبوغ في الأدب على الرجال منهم بل أن النساء شاركن أيضا بنصيبهن في ذلك . وممن احتفظ التاريخ بأسمائهن من نوابغ المرابطيات الأميرة تميمة بنت يوسف بن تاشفين أخت عليّ ، وتكنى أمّ طلحة ، سكنت فاسا وكانت كاملة الحسن راجحة العقل مشهورة بالأدب والكرم ) (1) .
في هذا العصر برزت الأميرة الشاعرة تميمة بنت السلطان يوسف بن تاشفين ، وكانت من أجمل النساء وأحسنهن ، وأميرة أديبة وشاعرة ، وتشتهر بالحسب والنسب ، وتعيش حياة الأمراء والأميرات ، نظرا لانتمائها إلى الأسرة الحاكمة . وقد جاء في كتاب المغرب عبر التاريخ : ( وهكذا نجد أن المرابطين وعلى رأسهم رجال الدولة وأمراؤها ، لم يكونوا يرون غضاضة في تنشئة بناتهم على دراسة الأدب مع ما عرف عنهم من تشدد في الدين ) (2) .
لم أعثر على ترجمة لحياتها ، حيث أن كتب التاريخ والأدب التي ذكرتها ، لم تذكر ما يشفي الغليل عن حياتها وتاريخ ميلادها ومكان وتاريخ وفاتها . فقد كانت مهتمة بالأدب ونظم الشعر ، وتشرف على أعمالها ، وتسيير شؤونها ومدبرة لها ، وكانت تتمتع بالاحترام والتقدير ، فقد ذكروا باختصار قصتها مع كاتبها الذي كان يشتغل معها في تسيير شؤون أعمالها ، والذي استدعته إلى مكتبها أعجب بها وبجمالها وحسنها ، حيث لم يسبق له أن رآها سافرة كما ينظر إليها في هذه اللحظة التي استدعته إلى مكتبها . حيث أنها كانت تتخذ الموكلين والكتاب وتبرز لهم في غير ما حياء أو خجل وتحاسبهم دون أن تجد في ذلك غرابة ، وقد روى أن الكاتب الذي لقيته الأميرة الشاعرة بُهت ، فلما نظرت إليه طنت أنه بهت من حسنها وجمالها ، وذكر ابن القاضي هذه اللحظة ، حيث يقول : ( تميمة بنت يوسف بن تاشفين أخت علي بن يوسف تكنا أم طلحة ، كانت كاملة الحسن راجحة العقل مشهورة بالأدب والكرم ، وسكنت مدينة فاس ، ورآها يوما كاتب لها فبهت ، وكانت قد أمرت بمحاسبته وبرزت لذلك ، فلما نظرت إليه عرفت ما دهاه وفطنت لما عراه ، فأومأت إليه وأنشدته :
هيَ الشمسُ مَسكَنُها في السماءِ ×× فعَزَّ الفُؤادُ عزَاءً جميــــلا
فلن تستطيعَ إليها الصُّـعـــــــودَ ×× ولن تستطيعَ إليك النُّزولا ) (3) .
فقد كانت هذه الأميرة الشاعرة مثل سائر الشاعرات والنساء المرابطيات لهن مجالسهن ونواديهن ، ويجتهدن في طلب العلم والفكر والأدب ، ويحفظن الأشعار وينظمن الشعر ، فقد ( كان للمرأة المرابطية شأن مهم في داخل المجتمع المرابطي ، واشتهر عنها دورها وتأثيرها الكبير في توجبه البيت والأسرة ، فكانت نساء الأمراء والنبلاء والقادة والعمال وغيرهم من الملثمين يتمتعن بسلطة ونفوذ كبير ، وذكر أن الأميرة تميمة بنت يوسف بن تاشفين وأخت الأمير علي بن يوسف أمير المسلمين ، أنها كانت تطلب العلم ، وتحفظ الشعر ، وتجيد قوله ، وتتخذ الموكلين والكتاب ، وتظهر إليهم في غير ما حياء أو خجل ، وتحاسبهم دون أن تجد غرابة في ذلك ) (4) .
ولم تحفظ لنا كتب التاريخ والأدب ما كان لهذه الأميرة الشاعرة والأديبة من نظم أشعارها وما لها من أدب ، إلا هاذين البيتين الجميلين والرائعين ، وهما من أشهر أشعارها التي بقيت منها حية .
المراجع :
1 ـ كتاب النبوغ المغربي في الأدب العربي . تأليف عبد الله كنون . الجزء الأول . الطبعة الثانية . السنة 1961 م . الصفحة رقم 74 .
2 ـ كتاب المغرب عبر التاريخ . تأليف إبراهيم حركات . الجزء الأول . طبعة 2000 م . الصفحة رقم 218 .
3 ـ كتاب جذوة الاقتباس في ذكر من حل من الأعلام مدينة فاس . تأليف أحمد بن القاضي المكناسي . الجزء الأول . طبعة 1973 م . الصفحة رقم 173 . الترجمة رقم 130 .
4 ـ كتاب الأندلس في نهاية المرابطين ومستهل الموحدين . عصر الطوائف الثاني . ( 510 هـ ـ 546 هـ / 116 م ـ 1151 م ) . تاريخ سياسي وحضارة . تأليف عصمت عبد اللطيف دَندَش . الطبعة الأولى . السنة 1988 م . الصفحات رقم 29 و 315 و 316 و 436 .
5 ـ كتاب المعجم في تلخيص أخبار المغرب . ( من لدن فتح الأندلس إلى آخر عصر الموحدين . مع ما يتصل بتاريخ هذه الفترة من أخبار الشعراء وأعيان الكتاب ) . تأليف عبد الواحد المراكشي . ضبطه وصححه وعلق حواشيه وأنشأ مقدمته . محمد سعيد العريان ومحمد العربي العلمي . الطبعة الأولى . السنة 1949 م .
6 ـ كتاب الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام . تأليف العباس بن إبراهيم . الجزء الثالث . السنة 1975 م . الصفحة رقم 91 . الترجمة رقم 365 .
7 ـ كتاب التكملة لكتاب الصلة . لأبي عبد الله محمد بن عبد الله القُضاعي المعروف بابن الأبار . تحقيق عبد السلام الهراس . الجزء الرابع .
8 ـ كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى . الجزء الثاني . تأليف أحمد بن خالد الناصري . ( بقية أخبار أمير المسلمين سوى ما تقدم ) .
9 ـ كتاب التاريخ الدبلوماسي المغربي . تأليف عبد الهادي التازي . الجزء الأول .
10 ـ كتاب المرأة في تاريخ الغرب الإسلامي . تأليف عبد الهادي التازي . الطبعة الأولى . السنة 1992 م .
11 ـ كتاب مغربيات حفل بهم التاريخ . تأليف المصطفى حمزة . الجزء الأول . الطبعة الأولى . السنة 2012 .
12 ـ كتاب معجم شهيرات المغرب . تأليف زهراء ناجية الزهراوي . الطبعة الأولى . السنة 2009 م .
13 ـ كتاب الأنيس المطرب بروض القرطاس في أخبار ملوك المغرب وتاريخ مدينة فاس . تأليف علي ابن أبي زرع الفاسي . راجعه عبد الوهاب بنمنصور . الطبعة الثانية . السنة 1999 م .
14 ـ كتاب نساء من الأندلس . تأليف أحمد خليل جمعة . الطبعة الأولى . السنة 2001 م .
15 ـ نساء من التاريخ . تأليف أحمد خليل جمعة . الطبعة الثانية . السنة 2000 م .