” الطفل الذي كنته ” و”الطفلة التي كنتها” سلسلة رمضانية تعدها الإعلامية أمينة بنونة .
ترصد السلسلة من خلال ضيوفها – كتاب وكاتبات أدباء وفاعلين في الحقل الثقافي – تجارب خاصة بمرحلة الطفولة والتي عادة ما تشكل بوادر توجهاتنا ومساراتنا المستقبلية
حلقات أعدتها : أمينة بنونة
الطفل الذي كُنْتُهُ
ذ. ادريس حيدر
كنت أشعر و انا بَعْدُ طفل صغير ،أنني أختلف بعض الشيء عن اقرأني، كما أن أمي ( رحمها الله ) لم تكن تشبهُ أمهات باقي الأطفال في الملبس و التحدث.
و بعد تقدمي بعض الشيء في السن ،ادركتُ أن أمي” إسبانية ” ، و بالتالي كنت انا الآخر ألبسُ و اتكلم بطريقة مختلفة.
علما انني كبُرْتُ في حي حاضن للموروث الشعبي و التقاليد المغربية العريقة .
قضيت طفولتي بمعية اقرأني، في اللعب كثيرا و الدراسة قليلا.
كانت مراتع اللعب بامتياز هي الساحات الكبرى و الأحياء الشعبية و بالخصوص :
نهر اللوكوس – حي الديوان – حي المرس- بجوار خط السكة الحديدية – المعسكر القديم …و أماكن أخرى.
كُنْتُ أنضمُ أحيانا لمجموعة من الأصدقاء او تلاميذ المدرسة التي كنت أتابع فيها دراستي أو أبناء الحي من أجل القيام بهجمات على اليهود في حارتهم بالديوان ، إلا أنه كانت تقام لي دون غيري سدود بشرية في كل الأزقة التي نمر منها ، و يُطْلبُ مني أن أرفع الشهادتين:
” أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله ”
أردد الشهادة ،فيُطلب مني ثانية أن أُردد بعد أحدهم، :
” عاش الملك ”
و كان في اعتقاد من يقوم بهذا الإجراء المقيت ،أنه اختبار لمدى اعتناقي كابن سيدة إسبانية للدين الإسلامي و كذا امتحان لوطنيتي.
كان هذا التصرف السيء يترك في نفسي آثارا سلبية و يُشْعِرُني بالتمييز و الكراهية و ” الحكرة ” .
قررتُ إذن الانتفاض على هذه الاعتداءات المتكررة التي تمارسُ ضدي .
بدأت أَتَعمَّدُ أن تتسخ ملابسي و أن أبدو شبيها بأطفال الشوارع أي أقرب إلى أولئك الذين كانوا يعترضون سبيلي .
و في ظرف وجيز أصبحت قائدا صغيرا لفرقة حينا ،بعد أن خُضْتُ معارك ضارية مع بعض اقرأني من المنحرفين و انتصرت عليهم.
و هكذا كسرت القيود و لم يعد أحد يعترض سبيلي و يهينني.
و أصبحت من حيث لا أدري أكثر شراسة في حق من لايعتنقون الدين الإسلامي كاليهود و بقايا النصارى الإسبان ، حيث كنت اذيقهم العلقم. كل ذلك لأثبت للجميع أنني أكثر منهم جميعا في اعتناقي للإسلام و انهم كانوا يخطئون في حقي .
أجل كنت قد أصبحت عدوانيا و ارعنا.
وكنت اقضي اليوم كله بعيدا عن المنزل بصحبة اقراني و خاصة في المركب الرياضي للمعسكر القديم الذي كان يحج إليه أغلب أطفال المدينة ، و بمحاذاة سكة القطار من أجل التأمل فيه و تحية المسافرين الذين كانوا يبتسمون لنا من النوافذ و يردون التحية ، و نحلم أحيانا بالسفر يوما ما فيه.
كذلك نقضي الصيف كله في النهر الخالد المجاور للمدينة من أجل الاستحمام و بحثا عن بعض الرطوبة التي تنعش أجسادنا الصغيرة مع أخذ الاحتياط الكبير من تلك الوحوش البشرية التي التي كانت تغتصب الأطفال.
دون أن انسى تلك اللحظات الممزوجة بالبكاء و الضحك و التحصيل ، أ لا و هي مروري بالكتاب ( المسيد ) حيث الاكتظاظ و الروائح النتنة و الجلد من طرف الفقيه في حالة عدم الحفظ أو إثارة الفوضى أو النزاع مع باقي الأطفال.
و كان أغلب الآباء يأخذون أبناءهم للمسيد من أجل حفظ القرآن لاعتقادهم أنه يقوي الذاكرة و وسيلة للحصول على الأجر الوفير .
و كان الاطفال يقضون عطلة الصيف في المسيد بحيث لم تكن أغلب الأسر تأخذ عطلة تقضيها و أبناءها على ضفاف البحر أو في المنتزهات.
و بالرغم من انحرافي الناتج عن الاعتداءات التي كنت اتعرض لها ،كنت ارافق المرحوم أبي إلى المساجد في شهر ” رمضان ” لصلاة التراويح ، و صلاة العيدين : الفطر و الأضحى، كما كنت ارافقه في ليالي الذكر و المديح.
و في سن المراهقة ،ادركتُ كما اقرأني أن للقراءة و الدراسة نفع عميم ، و انها مفتاح لتبوء مكانة اعتبارية داخل المجتمع، خاصة أن أجواء العلم و المعرفة كانت سائدة في المدينة من خلال منتدياتنا الكثيرة .
تكرست هذه القناعة بين أبناء جيلي مع مرور الأيام ، فتم التشبث بالدراسة و التحصيل و الاجتهاد و الانغماس في عوالم المعرفة من خلال قراءة كتب كثيرة في مدارك متنوعة و تبادلها مع بعضنا البعض.
أجل حقق كثير من أبناء جيلي مراتب متقدمة في العلم و بالتالي في المجتمع بالرغم من طفولتهم البئيسة .
و هكذا و كلما التقيت بأصدقاء طفولتي إلا و تذكرت و إياهم تلك الأيام الجميلة بنوع من الحنين و النوستالجيا و أحيانا بالضحك المريح.